حاز مشروع قرار أميركي المقدم في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2018، ، في الأمم المتحدة، في إدانة "النشاطات العنيفة" التي تقوم بها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ضد إسرائيل. على اغلبية بسيطة وحصل مشروع القرار الأميركي في نهاية المطاف على تأييد 87 دولة، وعارضته 58، بينما امتنعت 32 دولة عن التصويت، وغابت 16 دولة. ولم يمرّ مشروع القرار بسبب إجرائية قامت بها الكويت وبوليفيا، حازت قبولاً في الجمعية العامة؛ فقد اشترطت موافقة ثلثي الأعضاء عليه، البالغ عددهم 193 دولة، وليس الأغلبية البسيطة فقط،. وقد مرت هذه الإجرائية بفارق ضئيل من الأصوات (75 مقابل 72 صوتًا)، وامتناع 26 دولة عن التصويت على الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية ادانتها، وكان من شأن مشروع القرار الأميركي تمرير سابقة في إدانة صورة من صور ممارسة الحق في مقاومة الاحتلال الذي تقره المواثيق الدولية. مع أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة.
جاء مشروع القرار الأميركي بعنوان "نشاطات حماس والجماعات المسلحة الأخرى في غزة"، ليقلب تقليد إدانة الاحتلال في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إدانة مقاومة الاحتلال. ويأتي هذا الأمر ضمن محاولات إدارة الرئيس دونالد ترامب تغيير قواعد العلاقات الدولية.
ودان مشروع القرار ، حركةَ حماس "لتكرّر إطلاقها الصواريخ على إسرائيل". كما دان استخدام حماس الموارد في قطاع غزة من أجل "بناء بنية تحتية عسكرية، بما في ذلك أنفاق للتسلل إلى إسرائيل ومعدات لإطلاق الصواريخ إلى مناطق مدنية". وطالب مشروع القرار "حماس والجهات الفاعلة الأخرى، بما فيها حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، بوقف جميع الأعمال الاستفزازية والنشاط العنيف، بما في ذلك استخدام البالونات والطائرات الورقية المشتعلة". ودعا مشروع القرار (بطلب أوروبي) إلى اتخاذ "خطوات ملموسة نحو المصالحة الفلسطينية"، و"إعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية، وضمان عملها الفاعل في قطاع غزة". وبناءً على طلب دول أوروبية، وافقت الولايات المتحدة على أن يتضمن مشروع قرارها بنداً ينص على أن اتفاقية سلام إسرائيلية - فلسطينية مستقبلية يجب أن تكون "وفقا للقانون الدولي، ومع مراعاة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة". دون الاشارة الصريحة إلى حل الدولتين، الذي يمثل الأرضية القانونية لكل قرارات الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة.
نستشف من التحرك الأميركي لإدانة حركة حماس عبر الجمعية العامة ما يأتي:
1. القرار يأتي لنزع أي شرعية دولية عن حركة حماس، وشرعنة الموقف الإسرائيلي في حصار القطاع، واتخاذ إجراءات عسكرية ضده إذا اختارت إسرائيل ذلك.
2. لا يمكن قراءة المحاولة الأميركية بعيدًا عن التقارير التي تشير إلى اقتراب البيت الأبيض من الكشف عن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
3. رغم أن بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة نسقت تحركها هذا بشكل وثيق مع البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي، لكنّ هذا لا ينفي أن السفيرة الأميركية المستقيلة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، كانت القوة الدافعة وراء المحاولة، ويبدو ذلك واضحًا في الجهود الشخصية التي بذلتها في محاولة تمرير مشروع القرار عبر الضغط على الكثير من الدول الأعضاء.
يجب ألا تُغفل حقيقة أن القرار حظي بتأييد أغلبية الدول الأعضاء (87 مقابل 58 دولة)، وهو أمر غير مسبوق في تعاطي الجمعية العامة مع القضية الفلسطينية. ويمكن فهم ذلك باعتبار بيئة الشقاق الفلسطيني، والأجواء العربية التطبيعية مع إسرائيل، هذا الذي اضعف الجبهتين الفلسطينية والعربية في المواجهة الدبلوماسية على المستوى الدولي بخصوص قضية فلسطين.
ولو لا نجاح المبادرة في إقناع الجمعية العامة بضرورة تبني مشروع القرار بأغلبية الثلثين لكان قد تم تمريره. لكن هذا لا يعني تراجعًا بشأن تأييد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة؛ ذلك أن مشروع القرار الذي قدمته إيرلندا مباشرة، بعد فشل مشروع القرار الأميركي، والذي أكد صيغة حل الدولتين ودان سياسة الاستيطان الإسرائيلي، حظي بتأييد أغلبية ساحقة في الجمعية العامة، حيث صوتت 156 دولة لمصلحته، وعارضته خمس دول هي: إسرائيل والولايات المتحدة وأستراليا وليبيريا وجزر مارشال.
تركزت أغلب الدول التي صوتت لمصلحة مشروع القرار الأميركي في أوروبا والأميركتين وحوض المحيط الهادئ بمعنى أن الولايات المتحدة فشلت في كسب مؤيدين في منطقة الشرق الأوسط، وبين الدول العربية تحديدًا، كما أنها لم تنجح في كسب دول إسلامية . وهذا يعني أنّ هناك تراجعًا في مستوى التأييد للفلسطينيين بين دول أميركا الجنوبية، كما في البرازيل خاصة بعد نجاح اليمين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وكان لافتًا تصويت كل الدول الأوروبية لمصلحة مشروع القرار الأميركي (بشروط)، بما فيها إيرلندا والسويد والبرتغال وإسبانيا، وهي دول عادةً ما تكون أكثر تأييدًا للحقوق الفلسطينية، ولكن الشرخ الفلسطيني والحالة العربية يربكان مواقفها. ومن جهة أخرى، لم يترجم التطبيع العربي والأفريقي مع إسرائيل إلى مواقف مباشرة وصريحة ضد الفلسطينيين حتى اللحظة. فقد صوتت سلطنة عمان التي زارها نتنياهو قبل أسابيع، ضد القرار، وكذلك صوّتت مصر والأردن الدولتان اللتان ترتبطان بمعاهدات سلام مع إسرائيل. وكان لافتًا تصويت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ضد مشروع القرار الأميركي، على الرغم من أن المندوب السعودي بدا أقرب في كلمته إلى الموقف الأميركي؛ إذ إنه دان ضمنيًا حركة حماس. ويبدو أن الدول العربية التي تسارع إلى تعزيز علاقاتها بإسرائيل لا تزال مترددة في الظهور علنًا بوصفها في خندق واحد معها ضد الفلسطينيين.
و صوتت معظم الدول الافريقية ضد مشروع القرار، أو امتنعت عن التصويت. ومن بين الدول الأفريقية، أيَّد القرار كل من الرأس الأخضر وأوغندا وليبيريا وجنوب السودان وإريتريا ورواندا وملاوي، علمًا أن إريتريا تتمتع بصفة مراقب في جامعة الدول العربية. أما إسلاميا، فقد صوتت ألبانيا وأذربيجان لمصلحة القرار.
أما الهند فقد امتنعت عن التصويت، على الرغم من التقارب بينها وبين إسرائيل في حين صوتت الصين وروسيا ضد مشروع القرار الأميركي.
وعلى الرغم من فشل مشروع القرار الأميركي،الا أن ذلك يظهر المدى الذي يمكن أن تذهب إليه إدارة ترامب في دعم إسرائيل والوقوف إلى جانبها في المنابر الدولية. كما هي مستمرة في مساعيها المتمثلة بخلق وقائع جديدة على الأرض لإعادة تعريف الحقوق الفلسطينية ومعايير أي حل مستقبلي ومحدداته. هذا و سبق لإدارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول/ ديسمبر 2017، ثم نقل السفارة الأميركية إليها في أيار/ مايو 2018. وثم تلاه قطع التمويل الأميركي كليا عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وذلك في محاولة لإرغامها على إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني؛ بحيث يستثني التعريف الجديد أبناء اللاجئين وأحفادهم. على خلفية مقاربة خلق حقائق جديدة في سياق الصراع خدمةً لمفاوضات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية ذلك أنه يزيل من طريقها العقبات الكبرى . لكن الولايات المتحدة ما كانت لتنجح في تمرير سياساتها لولا ضعف الموقف الفلسطيني وتخاذل الموقف العربي، وقد انعكس ذلك كلّه تراجعًا في التأييد في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما شجعها على طرح مشروع القرار.
المصدر: المركز العربي للابحاث والدراسات السياسية