أجرت قناة أولوصال وصحيفة ايدينليك التركيتان مقابلة مع السيد الرئيس بشار الأسد حول الوضع في سورية والمنطقة، وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
سؤال:
سيدي الرئيس أهلاً وسهلاً بكم في قناة أولوصال. ربما سيكون السؤال الأول غريباً، ولكن علينا أن نطرح هذا السؤال عليكم لأنه في الإعلام التركي والدولي هناك معلومات كثيرة تم تداولها بأنكم قد توفيتم، قُتلتم، أو تركتم البلد، هل أنتم مازلتم على قيد الحياة ومازلتم في سورية؟
السيد الرئيس:
في البداية أُرحب بكم في سورية، وأُرحب بقناة أولوصال، وأنا سعيد أن أُجري هذه المقابلة معكم وأتحدث عبركم للشعب التركي الشقيق. الجواب موجود في السؤال، أنا هنا أمامكم ونحن موجودون فوق الأرض وليس في ملجأ، هذه إشاعات يحاولون بثها من وقت لآخر للتأثير على الروح المعنوية للشعب السوري. لا أعيش في بارجة روسية، ولا في إيران، أنا أعيش في سورية، في نفس المكان الذي كنت أعيش فيه دائماً.
سؤال:
سيدي الرئيس، مع هذا السؤال الأول نبدأ بالحوار لهذا البرنامج، فكما تعلمون أنه في الاجتماع الأخير للجامعة العربية تم إعطاء مقعد الجمهورية العربية السورية إلى المعارضة المسلحة وفُتح الباب حول مناقشة شرعيتكم، هل هذا يعني بأن شرعيتكم قد انتهت من خلال إعطاء هذا المقعد للمعارضة بدلاً من أن تكونوا أنتم ممثلين بهذه الجامعة؟
السيد الرئيس:
إذا أردنا أن نتحدث بصراحة فالجامعة العربية، هي بحد ذاتها بحاجة لشرعية، هي جامعة تُمثل الدول العربية وليست الشعوب العربية ولم تحصل على هذه الشرعية منذ سنوات طويلة، لأن هذه الدول في مواقفها المختلفة لم تُعبر عن الشعوب العربية، حتى عندما كنا نحن نشارك، كنا نعرف هذه الحقيقة. فإذاً هذه جامعة لا تُعطي شرعية ولا تسحب شرعية، هذه الخطوة هي خطوة رمزية، الهدف منها هو إعطاء هذا الانطباع، أما الشرعية الحقيقية فلا تأخذها لا من منظمات ولا من مسؤولين خارج بلدك ولا من دول، تأخذها فقط من الشعب السوري، إذا كان الشعب السوري يسحب منك الشرعية فأنت بلا شرعية، إذا قام الشعب السوري بإعطائك هذه الشرعية فأنت رئيسٌ شرعي، عدا عن ذلك، كل هذه المسرحيات، بالنسبة لنا ليس لها أي قيمة.
سؤال:
هناك قرارات وإجراءات ونشاطات كثيفة ضد بلدكم من قبل بعض الدول العربية والعالم الغربي، من جهة أخرى هناك دول البريكس التي تراقب التطورات في سورية وقراراتها تختلف عن قرارات العالم العربي والدول الغربية، كيف تُقيمون نشاطات وفعاليات وسياسات دول البريكس؟
السيد الرئيس:
ما ذكرته أنت في سؤالك يؤكد على نقطة مهمة، فالصراع في سورية لم يكن بالأساس صراعاً محلياً، هناك حِراك داخلي في سورية، ولكن الموضوع برمته هو موضوع خارجي وهو صراع خارجي على سورية، مرتبط بالخارطة الإقليمية، وإعادة رسم الخارطة في هذه المنطقة، وبنفس الوقت مرتبط بالصراع بين القوى الكبرى. تشكيل مجموعة البريكس يدل على أن الولايات المتحدة لن تكون بعد الآن هي القطب الوحيد في العالم، بالمحصلة هناك شركاء لا يمكن أن يكون هناك عمل على الساحة الدولية من دون الأخذ بالاعتبار وجهات نظرهم ومصالحهم. مجموعة البريكس لا تدعم الرئيس بشار، مجموعة البريكس لا تدعم الدولة السورية، هي تدعم الاستقرار في هذه المنطقة. الكل يعرف بأنه إذا حصل في سورية اضطراب وصل إلى مرحلة التقسيم أو سيطرة القوى الإرهابية في سورية أو كلا الحالتين، فلا بد أن ينتقل هذا الوضع مباشرة إلى الدول المجاورة أولاً وبعدها بتأثير الدومينو إلى دول ربما بعيدة في الشرق الأوسط، غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، هذا يعني خلق حالة من عدم الاستقرار لسنوات وربما لعقود طويلة، من هذا المنطلق وقفت دول البريكس مع الحل السياسي في سورية في مواجهة القوى الغربية، أما بالنسبة لبعض الدول العربية أو الإقليمية التي وقفت ضد سورية، فالمعروف بأن جزءاً من هذه الدول ليس مستقلاً في قراره السياسي، هذه الدول تتبع التعليمات الخارجية، ربما تكون بداخلها مع الحل السياسي ولكن عندما يُعطى الأمر لهذه الدول من الغرب فعليها أن تُنفذ. هذه هي الصورة الآن بالنسبة للوضع الإقليمي وللوضع الدولي ولو أنها بالعناوين العريضة، والتفاصيل كثيرة.
سؤال:
سيدي الرئيس، منذ سنتين نشاهد صراعاً في سورية، نزاعات مسلحة داخل سورية، هذا الصراع يتم دعمه لصالح طرف واحد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، تركيا وبعض دول الخليج، وهذه الدول تقول بأن هناك شعباً يحارب ضد نظامكم وأكثر من مئة دولة أكدت بأن عليكم أن تتركوا الحكم، فهل تفكرون من خلال هذا الإطار بأن تتركوا مقامكم لأحد آخر؟
السيد الرئيس:
هذا يعني بحسب مضمون السؤال، أن هذا الرئيس يقف ضده الآن عدد كبير من الدول الغربية وربما دول أخرى حليفة لها وعدد من الدول الإقليمية العربية وغير العربية بما فيها تركيا، وبنفس الوقت يقف شعبه ضده، فكيف يبقى؟ كيف تصمد سورية سنتين؟ أن تقف دول خارجية ضدي لا يعنيني كثيراً هذا الموضوع فأنا رئيس منتخب من قبل الشعب السوري، لذلك نصل الى النتيجة بأن مجيء رئيس أو ذهاب رئيس هو قرار سوري داخلي يُتخذ من قبل الشعب السوري وليس من قبل الدول التي تطالب بذلك. هل يا ترى هذه الدول حريصة على الديمقراطية في سورية، أم هي حريصة على دماء الشعب السوري؟ لو بدأنا بالولايات المتحدة، الولايات المتحدة تقف مع جرائم إسرائيل منذ عقود، منذ نشأت إسرائيل في منطقتنا، وهي التي ارتكبت المجازر في أفغانستان وفي العراق وقتلت وجرحت وأعاقت الملايين. فرنسا الآن كانت ترتكب المجازر هي وبريطانيا في ليبيا بدعم من الولايات المتحدة أو بتغطية من الولايات المتحدة. الحكومة التركية الحالية ودول أخرى منغمسة في الدماء السورية، هل هذه الدول حريصة على الدم السوري؟ هذا القرار هو قرار شعبي سوري بامتياز ولا علاقة لأي دولة في العالم به.
سؤال:
قلتم بأن ما نعيشه في سورية هو مدعوم بشكل أساسي من الخارج، ولكن ونحن موجودون في دمشق ونسمع دائماً أصوات انفجارات ودائماً هناك عيارات نارية من قريب ومن بعيد، لماذا يحصل هذا الشيء في سورية؟
السيد الرئيس:
نحن محاطون بمجموعة من الدول التي تقوم بمساعدة الإرهابيين في الدخول إلى سورية، طبعاً ليس بالضرورة كل هذه الدول تقوم بشكل مقصود بهذا العمل، مثلاً العراق هو ضد تسريب الإرهابيين، ولكن لديه ظروفا معينة لا تسمح ربما بضبط الحدود في لبنان هناك أطراف مختلفة تساعد أو تقف ضد إدخال الإرهابيين إلى سورية. تركيا تقوم بشكل رسمي باحتضان هؤلاء الإرهابيين وإدخالهم إلى سورية. هناك تسريب يأتينا من الاردن ومن غير الواضح تماماً ماإذا كان مقصوداً أم لا، وطالما لديك تسريب للإرهابيين ستبقى لديك معارك مع أولئك الإرهابيين، وهذا شيء طبيعي. في الحقيقة هي حرب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، هي ليست مجرد أحداث أمنية متفرقة، الإرهابيون يدخلون بالآلاف وربما بعشرات الآلاف، لذلك فمن الطبيعي أن تسمع أصوات المعارك في عدة أماكن في سورية.
سؤال:
سيدي الرئيس، قلتم بأن الحكومة التركية وبشكل رسمي وعلني تدعم المجموعات الإرهابية وتقدم المساعدات لها، ولكن سيدي الرئيس، نعرف نحن أنه منذ تاريخ قريب كنتم على علاقة ودية وطيبة مع اردوغان ومع الحكومة التركية، ماذا حصل حتى وصلنا إلى هذه النقطة؟
السيد الرئيس:
يبدو أن اردوغان رأى في الأحداث التي تحصل في العالم العربي والعالم، فرصة له لكي يُطيل عمره السياسي، هذا الرجل عقله هو عقل إخوان مسلمين، والإخوان المسلمون من تجربتنا معهم في سورية منذ ثلاثين عاما وأكثر بقليل هم مجموعات انتهازية تستخدم الدين من أجل مصالح شخصية، هو رأى بأن دولاً أخرى قامت فيها ثورات أو انقلابات أو تدخلات أجنبية أتت بهذه المجموعات من الإخوان إلى الحكم، فرأى في هذا فرصة كبيرة لاستمراره في الحكم بأشكال مختلفة لسنوات طويلة، فانقلب على سورية. أردوغان حاول في البدايات أن يتدخل في الشأن الداخلي السوري، لأنه منذ البداية، ومن قبل الأزمة، كان يصب اهتمامه على موضوع الإخوان أكثر من اهتمامه بموضوع العلاقات السورية – التركية، وأكثر من اهتمامه بتركيا نفسها، هذا الشخص هكذا يفكر، فعندما أتت هذه الظروف قرر أن يقف مع مصالحه قبل مصالح سورية وتركيا، حاول كما قلت التدخل في الشؤون الداخلية السورية ولاحقاً بدأت حكومته ومؤسساتها بدعم الإرهابيين في سورية بشكل علني وأصبحوا متورطين في الدماء السورية، فمن الطبيعي في مثل هذه الحالة أن تنقطع العلاقة بيننا وبينهم.
سؤال:
عندما نسأل السيد أردوغان ماذا حصل بالعلاقات السورية – التركية، هو يدعي ويقول بأننا كنا صادقين مع الرئيس بشار الأسد وقدمنا له اقتراحات وإصلاحات ولكن الرئيس الأسد رفض هذه الاقتراحات. سيدي الرئيس، لماذا لم تأخذوا بعين الاعتبار هذه الاقتراحات؟
السيد الرئيس:
مع كل أسف، اردوغان لم يقل أبداً كلمة صدق واحدة منذ بدأت الأزمة في سورية، على الإطلاق، وأنا لا أبالغ في هذا الكلام. المقترحات التي قدمها هي مقترحات عامة تتحدث عن أن الشعب السوري يجب أن يقرر من يكون الرئيس وأي نظام يريده، وأنا كنت أتحدث منذ دقائق حول هذا الموضوع، وفي خطاباتي قلت هذا الكلام، والآن نحضر لحوار في سورية. في هذا الحوار ستجتمع كل القوى السياسية في سورية وتقرر ما الذي تريده، أي مهما تكن مقترحات أردوغان هامة، ليست أهم مما يريده الشعب السوري. مايريده الشعب يُطبق. ولكن هناك سؤال بسيط نسأله، إذا كان اردوغان قدم مقترحات لكي تحل المشكلة في سورية كما يدعي فما علاقة هذه المقترحات بدعم المسلحين؟، اليوم اردوغان يقوم بجلب المسلحين بتمويل قطري، ويؤمن لهم السلاح عبر الأراضي التركية، والخدمات الطبية وكل شيء آخر ويرسلهم الى سورية. هل هذا المقترح كان موجوداً في مقترحاته التي قدمها لي؟ أم أن هذه المقترحات كانت مجرد غطاء يستخدمه أردوغان كي يصل الى هدفه؟ هو يعرف أننا كنا مع الحوار، ونحن منذ اليوم الأول أعلنا موافقتنا على الحوار مع كل المكونات السورية، وعندما فشلت المرحلة الأولى التي كانوا يسمونها أو يطلقون عليها المرحلة السلمية، انتقلوا الى دعم المسلحين. فأردوغان يكذب ويستخدم هذه المقترحات مجرد قناع. نحن نقبل النصيحة من أي جهة، ولكن نحن لا نقبل على الاطلاق التدخل في الشؤون الداخلية السورية. أردوغان على مايبدو فهم موقفنا خطأ، فهم أن العلاقة الأخوية بيننا وبين تركيا تسمح له بالتدخل في الشؤون الداخلية السورية بهدف العمل على إسقاط الدولة السورية. ولكن الموضوع كان واضحاً بالنسبة لي منذ الأيام الأولى.
سؤال:
هناك أخبار تم نشرها ببعض المصادر الإعلامية في تركيا، بأن هناك ضباطاً أتراكاً ورجالاً من الأمن التركي متورطون في العمليات الإرهابية ويساعدون المنظمات الإرهابية ودخلوا الأراضي السورية وكان لهم نشاطات وفعاليات مباشرة دعماً لهذه المنظمات، ولذلك تقول بعض المصادر الإعلامية بأن سورية سترد بالمثل ضد تركيا، طالما تركيا متورطة لهذه الدرجة بهذه العمليات. ما تقييمكم لكل هذه الأشياء؟
السيد الرئيس:
الحكومة التركية، كما قلت، تساهم في قتل الشعب السوري بشكل مباشر. هذا يعني بأن سورية، أو يفترض البعض بأن سورية سترد بالمثل. نحن لا يمكن أن نقوم بنفس هذا العمل. أولاً، لأننا لا نقبل بالإجرام، نحن نرفض الأعمال الاجرامية، ثانياً : نفترض ونعتقد بأن الشعب التركي هو شعب شقيق ، ثالثاً: هذا ما يريده أردوغان. أردوغان يريد أن يكون هناك صدام على المستوى الشعبي بين سورية وتركيا لكي يحصل على الدعم الشعبي لسياساته ويستعيد شيئاً من الشعبية التي خسرها. نحن لن نقع في هذا الفخ لأسباب مبدئية، ولأن مصلحتنا مع الشعب التركي، ولأن الدخول في صراع بين شعبين لن يخدم لا سورية ولا تركيا بل سيجعل الأمور معقدة أكثر. ما قمنا بالعمل عليه خلال العشر أو الـ 12 عاماً الماضية منذ مجيء الرئيس سيزر إلى سورية في العام 2000 هو أن نمحو هذا الماضي السيء بين العرب والأتراك. الآن اردوغان يسعى لإعادة هذا التاريخ. نحن لن نقوم بأي عمل ضد الشعب التركي.
أما بالنسبة للمخابرات التركية، فنحن حتى هذه اللحظة لم نلقِ القبض على أي شخص في المخابرات أو في الجيش التركي. هذا لا يعني بأنهم غير متورطين، لأن المخابرات تقوم بتقديم الدعم من أراضٍ أخرى، تؤمن كل التدريب، كل التجهيزات، الاتصالات وأي دعم سياسي، أو اعلامي او آخر مطلوب تستطيع أن تؤمنه. وبالاعترافات التي حصلنا عليها من كثير من الإرهابيين، هناك أشخاص في تركيا متورطون، ولكن أساس هذا التورط هو السياسة التي تتبناها اليوم الحكومة التركية، فعدم وجود مخابرات على الأرض لا يعني بأنها غير متورطة.
سؤال:
سيدي الرئيس، تصريحاتكم كانت واضحة بالنسبة للسياسات التركية، وزير الخارجية احمد داوود اوغلو صرح بأنه "بدلاً من أن أصافح الرئيس الأسد في حال بقي بالسلطة أقدم استقالتي"، فإلى أين تذهب هذه العلاقات بين البلدين؟
السيد الرئيس:
طبعاً لا أريد أن أرد عليه. فإذا لم يكن هناك من رباه تربية صحيحة في منزله، فأنا في منزلي تربيت تربية صحيحة. إن لم يكن قادراً في كلامه أن يتعلم من أخلاق الشعب التركي والتي رأيتها خلال زياراتي إلى تركيا، فأنا في سورية تعلمت الكثير من أخلاق الشعب السوري، فهذا الكلام ليس محل اهتمام.
أما بالنسبة للجسور، فالعلاقة بيني وبين اردوغان كان من المفترض أن يكون هدفها أن تنعكس على العلاقة السورية – التركية. ولكن عندما يتورط رئيس الحكومة أو الحكومة أو مسؤولون فيها بدماء الشعب السوري فلا يعود هناك مكان لهذه الجسور لا بيني وبينهم، ولا بينهم وبين الشعب السوري الذي لا يحترمهم على الاطلاق.
سؤال:
سيدي الرئيس، آخر تطور شاهدناه في المنطقة هو زيارة أوباما إلى إسرائيل، وكما تابعتم قال نتنياهو فجأة خلال هذه الزيارة بأنه قد اعتذر من تركيا بالنسبة لما حصل بسفينة مرمرة، كيف تقرؤون كل هذه التطورات؟
السيد الرئيس:
هناك سؤال واضح وبديهي في مثل هذه الحالة، نفس الشخص، أي رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو كان موجوداً منذ سنتين أو ثلاث سنوات عندما حصلت المجزرة في سفينة مرمرة ونفس الشخص هو موجود الآن رئيساً للحكومة الاسرائيلية. لماذا لم يعتذر خلال الأعوام الماضية؟ ما الذي تغير؟ اردوغان نفسه، ونتنياهو نفسه. ما تغير هو الوضع في سورية. هذا يؤكد بدقة وبوضوح أن هناك التقاء اسرائيلياً – تركياً حول الوضع في سورية. وهذا يؤكد بأن اردوغان يعمل الآن بالتحالف مع اسرائيل لضرب الوضع في سورية، هو فشل خلال العامين الماضيين – أي اردوغان – في الوصول إلى ما يريد، سواء في حشد الرأي العام التركي في اتجاه الموضوع السوري كما يرغب، أو في إسقاط الدولة السورية. كان هناك صمود سوري بالرغم من شراسة المعركة. فلم يكن لديه حليف يساعده إلا اسرائيل. واسرائيل بالنسبة لنا هي العدو الطبيعي الذي يحتل أراضينا، فأعتقد أن هذا مؤشر واضح تماماً على التحالف بينهما. بنفس الوقت، ربما هذا الاعتذار ايضاً يساعد اردوغان في استعادة شيء من المكانة التي خسرها، والمصداقية التي خسرها أيضاً داخل تركيا.
سؤال:
أريد أن اسألكم عن تطور جديد آخر، حصلت لقاءات بين أردوغان وأوجلان وخلال لقائهما في 21 آذار، جرى الحديث عن تشكيل شرق أوسط جديد من العرب والسريان والأكراد والأتراك، فهل تابعتم هذه التطورات والأحداث واللقاءات والتصريحات التي حصلت؟
السيد الرئيس:
ما يصلنا هو تسريبات اعلامية أو معلومات عبر الاعلام. لا يوجد لدينا معلومات رسمية من أي طرف بعد، ولكن نحن منذ أن بدأ التحرك داخل تركيا منذ عدة سنوات باتجاه حل المشكلة الكردية كان موقفنا الواضح والصريح هو دعم أي حل بين الأكراد والاتراك لأننا لا نريد أن نرى المزيد من الدماء في بلدكم والتي ستنعكس سلباً على المنطقة. نحن ندعم أي حل صادق في هذا الاتجاه لأن الأكراد جزء طبيعي من نسيج المنطقة، هم ليسوا ضيوفاً أو مهاجرين جدداً. هم يعيشون في هذه المنطقة منذ آلاف السنين. لذلك نحن مع هذا الحل. ولكن تتوقف رؤية مستقبل هذا الحل أو الوضع التركي – الكردي على مصداقية اردوغان. انا لا أثق بهذا الشخص وأشك بأنه يلتزم بما يعد به. كل الاجراءات التي يأخذها هي اجراءات مؤقتة تهدف إلى دعمه سياسياً. نسأل نفس السؤال: لماذا لم يقم بنفس الخطوات منذ سنوات؟ أيضاً هذا مرتبط بالوضع السوري. ولكن علينا ألا نقيم الآن بشكل مسبق كيف ستكون الأمور، لننتظر ونرى.
سؤال:
تحدثتم بأن الحل الكردي وحل المسألة الكردية هي من المسائل الهامة للمنطقة، نستطيع أن نسمع من حضرتكم رؤية أوسع وبالتفصيل حول كيفية حل هذه المسألة؟
السيد الرئيس:
أعتقد أن علينا أن نركز على أن القومية ليست عرقاً. نحن نعيش في منطقة مختلطة. أن تكون تركياً فلا يعني أن لا تكون كردياً أو أرمنياً أو عربياً بأصولك، ولديك ثقافة ولديك لغة. هذا هو الحال لديكم، ولدينا نفس الشيء. أن أقول عربياً لا يعني بأنه ينتسب لعرق عربي، وإنما القومية التركية والقومية العربية هي حالة حضارية يجب أن تستوعب الجميع. المشكلة في هذا الموضوع أنه في السابق ربما كانت هناك عقلية الإلغاء للثقافات الأخرى. أنا أعتقد بأن أجمل شيء في هذه المنطقة هو أنها متنوعة، وأخطر شيء ألا ننظر لهذا التنوع على أنه شيء غني يعطينا قوة. ننظر إليه على أنه ضعف. لذلك نسمح للقوى الخارجية بأن تلعب ألعابها ضدنا وتخلق الفتن. هذا ما حصل في بدايات القرن الماضي عندما بدأ الصراع بين العرب والأتراك أيام الامبراطورية العثمانية. كثير من القوى العربية أو المجموعات التي تحدثت بالقومية العربية كانت تريد قومية عربية ضمن الامبراطورية العثمانية، ولكن الأمور ذهبت باتجاه الصدام بأخطاء من العرب والأتراك، وبنفس الوقت بألاعيب خارجية. لذلك يجب أن ننظر اليوم بنفس الطريقة لهذا الموضوع. نحن نسيج واحد، ولكن هذا النسيج فيه ألوان مختلفة.
سؤال:
سيدي الرئيس، من أهم المواضيع التي تتم مناقشتها حالياً في تركيا، هو موضوع حزب العمال الكردستاني، وهناك نقاش بأن هناك منظمات موجودة على أرض سورية تتعاون وتنسق مع حزب العمال الكردستاني التركي، وبأن للـ بي كي كي نفوذا كبيرا على هذه المنظمات، وبأن ما يسعون إليه هو أن يكون هناك فراغ عسكري في المناطق الشمالية السورية، لكي يتم ملؤها في المستقبل من قبل هذه القوات الكردية الجديدة، كيف تقرؤون كل هذه الأخبار؟
السيد الرئيس:
عندما يكون هناك فوضى في دولة ما. وهذا ما يحصل الآن في سورية، فلابد من أن تظهر جهات معينة تحاول ملء هذه الفوضى. أحياناً تكون هذه الجهات هي عبارة عن عصابات هدفها السرقة والقتل. أحياناً تكون جهات سياسية، وأحياناً تكون أحزاباً لديها توجهات معينة. لا شك بأن هناك مجموعات تسعى للانفصال. هي موجودة في سورية وفي تركيا وفي العراق وموجودة في كل مكان. ولكن لا نستطيع أن نعمم هذه الحالة على كل الأكراد. هناك مجموعات صغيرة. معظم الأكراد هم أشخاص وطنيون يريدون العيش داخل سورية، وظهور بعض الحالات المحدودة لايجعلنا نعممها ونفترض أن الأمور تذهب باتجاه الانفصال، فالانفصال بحاجة لبيئة شعبية داخلية معينة، وربما لبيئة خارجية مختلفة عن الظروف الموجودة حالياً في سورية، أنا لست قلقاً من هذه النقطة الآن.
سؤال:
سيدي الرئيس، هذا الموضوع هام جداً، انه منذ بداية الأحداث في سورية بدأت أطراف معينة ومراكز معينة بالحديث عن مشروع جديد يفصل شمال سورية وشمال العراق وجنوب شرقي تركيا عن الدولة المركزية، هل ترون بأن هناك خطراً لفصل شمال سورية عن الدولة المركزية؟
السيد الرئيس:
كما قلت لا توجد بيئة مناسبة في سورية، وخاصة على المستوى الشعبي. بكل الأحوال هذا الموضوع مرفوض من الشعب السوري، ومن الدولة السورية. لا يوجد دولة وطنية تقبل بفصل أو اقتطاع جزء من أراضيها.. هذا الموضوع محسوم وغير قابل للنقاش معنا في سورية.
سؤال:
سيدي الرئيس، اريد أن أتوسع قليلاً، خاصة بالنسبة للأسئلة التي طرحناها عليكم، وبناء على الأجوبة التي أُخذت من حضرتكم، هناك مشروع ومخطط واضح بالنسبة للدول الغربية وبالتنسيق والتعاون مع بعض الدول الإقليمية لتحقيق مشروع كردستان الكبرى من خلال فصل شمال العراق غربي إيران شمال سورية وجنوب شرقي تركيا، ومُصرون على تحقيق هذا الهدف، هل نحن ذاهبون إلى هذا الهدف؟
السيد الرئيس:
لا أعتقد بأن الدول الأربع المعنية، وهي سورية وتركيا والعراق وإيران توافق على هذا الطرح. دول العالم تسعى اليوم للاندماج وليس للتفتيت، إلا في منطقتنا وهذا دليل تخلف، اليوم الدول الكبرى تجتمع، ولنأخذ مجموعة البريكس نموذجاً.
الدول تسعى اليوم لكي تجتمع مع بعضها لأن العصر الذي نعيش فيه يتطلب هذا الشيء، فلماذا في منطقتنا نسعى للذهاب بالاتجاه الآخر، لماذا التقسيم؟ ما الذي يمنع أن يعيش الأشخاص الذين ينتمون لأي قومية أو دين أو طائفة مع الآخرين؟ إذا قبلنا بمنطق التقسيم فذلك يعني أن يكون هناك تتمة لهذه العملية وهي التقسيم إلى دويلات صغيرة مبنية على القوميات وعلى الطوائف في منطقة غنية جداً بتنوعها.. وهذا خطير. يعني أن نعيش حروباً في المستقبل، لذلك لا أعتقد بأن هذا الطرح طرح سليم، كل دولة من هذه الدول الأربعة المعنية لابد أن تقوم بكل ما من شأنه أن يجعل كل الناس، كل المواطنين يشعرون بأنهم درجة أولى لهم في هذه الدولة كما للآخرين. هذا هو الحل بكل بساطة، أما عندما يشعر المواطن بأنه درجة ثانية أو ثالثة أو غير ذلك فلابد من أن يفكر بالانفصال أو أحياناً بالعمل ضد وطنه من الداخل.
سؤال:
كان لديكم مشروع مثير للاهتمام سيدي الرئيس، تحدتثم عن الوحدة السياسية الاقتصادية للبحار الخمسة والدول الموجودة داخل هذه الجغرافيا، كيف نستفيد من هذا المشروع، هل تشرحون ذلك للمجتمع التركي؟
السيد الرئيس:
هذا ما قصدته بالقول إن علينا أن نتوحد في هذا العصر، وهذا التوحد لايعني أن تكون هناك دولة واحدة على شكل امبراطورية مترامية الأطراف كما كان في السابق. اليوم نتوحد بالمصالح..على الأقل سكك الحديد والنقل البري بأشكاله المختلفة، والغاز والنفط والكهرباء والطاقة..قد تتوحد هذه الشبكات بين الدول المعنية في هذه المنطقة الاستراتيجية جداً من العالم بين البحار الخمسة وهذا بحد ذاته يجلب الكثير من الاستثمارات إلى هذه المنطقة ويخلق الكثير من الرخاء ويجعل هذه الدول وشعوبها قوية في وجه أي محاولات للتدخل الخارجي. هذا المشروع بحاجة لإرادة ولاستقلالية القرار، وبحاجة أيضاً لاستقرار أمني. الكثير من الدول الغربية ليس لها مصلحة بمثل هذه المشاريع في الشرق الأوسط. لا أعتقد بأن الظروف الآن مهيئة للقيام بمثل هذا المشروع فهناك مشاكل في سورية وهناك مشاكل في لبنان واضطرابات في العراق، ومعظمها بتدخل غربي. هناك حكومة لا أعتبرها مستقلة في تركيا ولا أعتبر أن لديها رؤيا.. وتركيا أساسية في هذا المشروع بسبب موقعها الاستراتيجي. لكن هذا لايعني أن نلغي المشروع.. يجب أن يبقى المشروع موجوداً في أذهاننا جميعاً لأن مستقبل هذه المنطقة هو في المشاريع الكبرى، وإذا بقينا محصورين في داخل حدودنا الوطنية، حتى لو كانت تركيا على سبيل المثال أو إيران أو غيرها تُعتبر دولاً كبيرة بالمقياس العالمي، نحن دول صغيرة لا يمكن أن نشعر بالقوة إلا إذا أقمنا هذا النوع من المشاريع الاستراتيجية العابرة للحدود.
سؤال:
سيدي الرئيس، وبناء على جوابكم على السؤال الذي طرحته عليكم، أريد أن أنتقل إلى موضوع جديد، وهو يتعلق بالحرب الطائفية، وبأن هناك حرباً سنية شيعية مستمرة في المنطقة، والكثيرون يرغبون بذلك، هل تنظرون إلى هذه النزاعات على أنها نزاعات طائفية؟
السيد الرئيس:
هذا الموضوع بدأ طرحه في عام 1979 على خلفية الثورة الإيرانية التي أزالت واحداً من أهم حلفاء أميركا في المنطقة. فلم يكن هناك حل سوى القيام بعمل يظهر كأن هذه الثورة هي مجرد ثورة شيعية ولابد من وقوف الطوائف الأخرى في وجهها. وانطلاقاً من ذلك كانت الحرب العراقية على إيران في ذلك الوقت والتي دعمتها بعض دول الخليج، بعدها بفترة قصيرة استُخدم الإخوان المسلمون في سورية بنفس الهدف لخلق فتنة طائفية ايضاً ، فشلوا في الأولى وفشلوا في الثانية. الآن بعد ثلاثة عقود لم يعد هناك خيار سوى خلق فتنة طائفية من داخل هذه البلدان لذلك أعادوا طرح هذا الموضوع. والشعارات التي طرحت خاصة في سورية في بداية الأزمة كانت شعارات طائفية. حتى الآن فشلوا. قد تسأل كيف أقول أنهم فشلوا، جوابي أنهم لو نجحوا لتفتتت المنطقة بناء على هذا الصراع. الشيء الجيد أن هناك حالة من الوعي تتزايد بالنسبة لشعوب المنطقة، ولو رأينا بؤراً طائفية موجودة. هناك أناس جاهلون في أي مجتمع من المجتمعات يؤخذون بهذه الطروحات، ولكنهم ليسوا الحالة العامة بعد. انا أعتقد بأن حقيقة الصراع الآن هي ليست طائفية، جوهر الصراع ليس طائفياً، الصراع الآن هو بين قوى ودول تريد أن تعود بشعوبها إلى الماضي وبالمقابل دول تريد أن تذهب بهم إلى المستقبل، هو صراع بين من يريد أن يكون وطنه مستقلاً عن التبعية للغرب وبين قوى أخرى تسعى الآن لكي تكون تابعة للدول الغربية بغرض تحقيق مصالحها الشخصية، بنفس الوقت هذه القوى كما ذكرت مؤخراً هي جزء من الصراع الدولي.. هناك صراع دولي على المصالح، نحن وأنتم جزء من هذا الصراع، لكن هذا الصراع يُعطى أشكالاً مختلفة يمكن أن تفتت المنطقة وتجعل هذه القوى العظمى قادرة على أن تلعب بمصيرنا ومستقبلنا.
سؤال:
مع الأسف نرى بأن خارج سورية يتم تبني سياسة التفكيك في بعض البلدان بشكل رسمي بناءاً على الإثنيات والمذاهب، مقابل ذلك ما تحدثتم عنه شاهدناه وعشناه في تركيا، خاصة بعد تأسيس الجمهورية العلمانية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، ولكن مع الأسف حالياً ابتعدت هذه الدول والحكومات عن هذا المشروع، وبدأت تتبنى مشاريعاً دينية طائفية. كيف تنظرون إلى مستقبل هذه النظم السياسية، التي ترغب بتفكيك المجتمعات طائفياً ومذهبياً وإثنياً؟
السيد الرئيس
هذه النظم هي التي تسعى باتجاه التقسيم، هي تهيئ لحروب قد تمتد لقرون وليس لعقود في منطقتنا وتدمر كل شيء وتمنع التنمية والازدهار وتحولنا إلى دول وشعوب تعيش في القرون الوسطى. هذا الموضوع خطير جداً.. أنا عندما أتحدث عن العلمانية فهي حرية الأديان وحرية الممارسة، منطقتنا منطقة محافظة، معظم الناس هم أشخاص متدينون يجب أن يكون لديهم الحرية في ممارسة شعائرهم. لايجوز أن نفكر للحظة أن هناك تعارضاً بين القوميات والأديان. هذا هو جوهر تفكيرنا العلماني. لذلك يجب أن نسعى كقوى واعية لمستقبل هذه المنطقة لإعادة توحيد الناس، وأنا قلت قبل قليل بأنه مهما حصل بين سورية والحكومة التركية يجب ألا يؤثر على العلاقة الشعبية، هذه العلاقة الشعبية هي الوحيدة التي يمكن أن تحافظ على توحدنا كمجتمعات متنوعة وغنية.
سؤال:
سيدي الرئيس، هل تتابعون عن قرب التطورات الداخلية في تركيا؟
السيد الرئيس
هذا طبيعي، فما يحصل في تركيا كبلد مجاور، وبنفس الوقت كبلد كبير بموقع استراتيجي هام، سوف ينعكس مباشرة على ما يحصل في سورية، بنفس الوقت هناك أشياء كثيرة متشابهة، طبيعة الناس،عواطفها، طبيعة النسيج الاجتماعي في تركيا متشابه جداً مع النسيج الاجتماعي في سورية، فما يحصل في تركيا سوف ينتقل إلى سورية. فلذلك نحن نعتقد بأن الاستقرار في تركيا سيخدمنا والعكس صحيح، إذا حدث لديكم اضطراب سوف نتأثر سلباً، المشكلة كيف تقنع المسؤولين الأتراك الموجودين الآن في الحكومة وفي مقدمتهم رئيس الحكومة بأن الحريق في سورية سوف يحرق تركيا. هو لا يرى هذه الحقيقة مع كل أسف.
سؤال:
طبعاً هناك أسئلة كثيرة سيدي الرئيس، ومن الممتع أن نتحدث بشكل خاص إليكم. بالنسبة للحوار مع المعارضة طلبتم أن يكون هناك حل سياسي وحل مباشر مع المعارضة. هل هناك خطوط حمراء بالنسبة لهذا الحوار؟
السيد الرئيس
الخطوط الحمراء هي التدخل الأجنبي. أي حوار يجب أن يكون حواراً سورياً فقط. وغير مسموح التدخل الأجنبي في هذا الحوار. عدا عن ذلك، لا توجد خطوط حمراء. يستطيع المواطن السوري أن يناقش أي شيء يريده، فهذا الوطن هو لكل السوريين ويمكنهم أن يطرحوا أي شيء يريدونه.
سؤال:
في إطار النزاع الطائفي، طبعاً تظهر الادعاءات دائماً على شاشات التلفزيون وبعض المصادر الإعلامية بأن سورية يتم حكمها من قبل نظام أقلي علوي ديكتاتوري هدفه الوحيد هو تصفية السُنة، وبأنه حتى تصفية السيد البوطي يقيمونها في هذا الإطار، ما ردكم على هذه الطروحات؟
السيد الرئيس:
بالنسبة لي هذه المنطقة، كما تحدثنا قبل قليل، هي منطقة متنوعة. وسورية كانت تعيش استقراراً لعقود طويلة، لايوجد فيها أي مشاكل داخلية. كيف يمكن أن تعيش باستقرار مع شعب متعايش بحكومة لا تشكل مرآة لهذا الشعب ولا تعكس حقيقته؟ عندما تكون أي حكومة في أي بلد هي لجزء من الشعب، أو لأجزاء منه، ولا تمثل كل الشعب، فهذه الحكومة لا يمكن أن تبقى في مكانها.. ستسقط مباشرة وإن لم تسقط سوف يسقط الوطن. فهذا الكلام غير صحيح.. نحن بلد متعايش منذ قرون، والحكومة دائماً تعكس هذا التنوع وهذه المشاركة بمختلف أوجهها وألوانها. بالنسبة للدكتور البوطي، أبدأ بالقول بأنه من غير المنطقي أن تتهم الحكومة السورية باغتياله لأن من قال هذا الكلام هم أنفسهم من كانوا يصفون الدكتور البوطي بأنه شيخ سلطة، وذلك في محاولة لتهميش مكانة الدكتور البوطي لدى المواطنين السوريين وأيضاً لدى الكثيرين ممن يتابعونه في العالم الإسلامي. هو في الحقيقة لم يكن شيخ سلطة كما يوصف، لم يكن يريد شيئاً من السلطة، لم يسعَ لمنصب وزير، ولم يسعَ لمنصب مفت ولم يطالب بأموال وهو يعيش حياة بسيطة. ذنب الدكتور البوطي الوحيد أنه كان في مقدمة كثير من رجال الدين في سورية ممن وقفوا بشكل حاسم وحازم في وجه المخطط الذي تحدثت عنه قبل قليل في سورية، والذي بدأ بشعارات طائفية تهدف لخلق فتنة بين السوريين. إذاً استهداف الدكتور البوطي كان أولاً لمكانته في سورية وفي العالم الإسلامي، وثانياً لوعيه العميق لحقيقة ما يجري. فلاشك بأن موقف رجال الدين ومنهم الدكتور البوطي كان أساسياً في إفشال هذا المخطط الذي يهدف لخلق فتنة طائفية، لذلك اغتالوا الدكتور البوطي وقبله بأيام قليلة اغتالوا أحد رجال الدين، ومنذ يومين اغتالوا رجل دين آخر في حلب واغتالوا عدداً من رجال الدين سابقاً. كل من تحدث بالدين الحقيقي والدين المعتدل استهُدف منذ بداية الأزمة.. ولكن الدكتور البوطي كان له الأثر الأكبر في مواجهة هذه الحرب، فهو لم يكن يقف مع الدولة.. هو كان يقف مع الوطن، لذلك دفع حياته ثمناً.. وهو كان في كل الأحوال يتحدث دائماً عن استعداده للشهادة.
سؤال:
سيدي الرئيس شكراً لأنكم وافقتم على هذا الحوار مع محطة أولوصال، وفي النهاية سيدي الرئيس هل هناك كلمة تُرسلها إلى الشعب التركي؟
السيد الرئيس:
نحن اليوم نمر في مرحلة مفصلية نحن وأنتم والمنطقة لا أقصد سورية، وهذه التغيرات التي تحصل في منطقتنا ولو أن فيها شيئاً عفوياً ولكن فيها الكثير من الشيء المخطط بشكل خارجي بهدف السيطرة على هذه المنطقة، ما يحصل اليوم هو في جوهره مشابه لما حصل قبل مئة عام لإعادة تقسيم المنطقة ولكن منذ مئة عام قبلنا بالتقسيم كما وضعه سايكس وبيكو في ذلك الوقت عندما رسموا الحدود لكم ولنا ولغيرنا في هذه المنطقة، وعلينا ألا نقبل بأي إعادة صياغة أو رسم للمنطقة إلا بحسب القرارات التي تناسبنا كشعوب تعيش في هذه المنطقة. يجب أن نكون نحن أصحاب القرار، مع كل أسف هذا ليس متوفرا هذه الرؤية غير متوفرة لدى الكثير من الحكومات التي قبلت أن تكون حكومات تعمل بحسب الأوامر الأجنبية وإذا لم تكن أوامر على الأقل لإرضاء الدول الغربية بشكل خاص، لذلك نحن نرى بأن العامين الأخيرين كانا يهدف بكثير من المحاولات لضرب العلاقة بين الشعبين السوري والتركي. أنا أريد أن أقول بأن ما بدأناه منذ عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة مع الرئيس سيزر بداية يجب أن نستمر به بكل الظروف، أي الأخوة العربية ــ التركية، ولا يمكن أن يكون هناك أخوة بين العرب والأتراك إن لم تكن العلاقة السورية - التركية جيدة، فنحن أقرب بلد عربي نحن والعراق لتركيا، يجب أن نتابع السير في هذا الاتجاه. كما قلت الازدهار في أي من هذين البلدين سوف ينعكس على الآخر والحريق سوف ينتقل أيضاً بالطريقين، الحكومات ستذهب لن تبقى إلى الأبد، فعلينا ألا نسمح للحكومات والمسؤولين الحمقى منهم وغير الناضجين أن يضربوا هذه العلاقة التي يجب أن نبنيها نحن وليس أي جهة أجنبية في الخارج، فهذه هي رسالتي للشعب التركي، وأنا سعيد أيضاً باستقبالكم اليوم.
مرة أخرى أشكركم وأتمنى أن تنقلوا تحياتي للعاملين في قناة اولو صال وفي صحيفة ايدنلك.
شكراً لكم سيدي الرئيس