شرعت سورية بالدخول في مرحلة جديدة بعد عبور مفصل تاريخي مليء بالتحديات، ولعل من أهم خصائص المرحلة الجديدة هي أن يتحمل الشعب مسؤوليته كشريكٍ في صناعة القرار، وأن يمارس المواطن واجباته الوطنية بانتخاب من هو قادر على خدمة الصالح العام.
وما دمنا أصبحنا على طريق التعافي من إرهاصات الحرب الإرهابية، وإشاعة أجواء الانفراجات الاقتصادية، فإن المسؤولية في هذا الظرف تتمحور في سيادة القانون على الجميع، بهدف السير بخارطة طريق للخروج من تبعات ثلاثة عشر عاماً من الحرب العسكرية والاقتصادية، وكل أشكال الفساد الذي رافق تلك الفترة المظلمة في تاريخ سورية الحديث.
ومع انتهاء عملية الاستئناس في الفروع الحزبية على القوائم الوطنية، وبدء حملات المرشحين المستقلين، ينطلق السباق نحو دورة مجلس الشعب القادمة، هذا السباق سيحظى فيه كل يوم بأهمية كبرى، وسيكون لكل مواطن ولكل صاحب صوت دور أساسي في بثّ الحياة من جديد.
لكن من الضروري التذكير بأن التنافس بين المرشحين لن يكون من أجل مقعد يصلون من خلاله إلى مجلس الشعب لحصد امتيازات شخصية، بل هو تنافس على شرف تحمّل مسؤولية اتخاذ القرارات التي تمسّ مصير سورية وكل السوريين.
لذلك ستمثل انتخابات مجلس الشعب القادمة إحدى المحطات الأساسية على خارطة الخروج من تبعات الحرب، وكي تنجح هذه العملية لا بد أن يبادر الناخبون للتصويت على أساس مواقف المرشحين من الأولويات الأساسية التي يطرحها المواطنون، وليس على أساس العلاقات، أو المصالح الشخصية، فالامتحان الحقيقي يكمن في القدرة على النجاح كأسرة واحدة في مواجهة التحديات.
وكلنا يعي حجم المخاطر التي كانت تحاك ضدّ سورية، وكلنا قدّم تضحيات، لكن الثابت لدينا أن رؤية الرئيس بشار الأسد لطبيعة المرحلة القادمة التي يعمل على بنائها كانت واضحة للجميع، كما أن طريق الوصول إليها كانت واضحة أيضاً، لكنها ليست بالطريق السهل و المختصر، لأنها طريق يُبنى بالتراكم.
وعليه تمثل انتخابات مجلس الشعب القادمة فرصة حقيقية لتعزيز هذه الرؤية ودعم تلك الطريق، وأن نترك وراءنا نمط التفكير الذي يصنف المجتمعات إلى مجموعات متنافرة على أساس ديني أو عرقي أو مذهبي، لأن المستقبل لا يمكن الوصول إليه بمجرد الإدلاء بالأصوات، بل من خلال المساءلة المستمرة لمن يتولون أمانة المسؤولية، ومحاسبتهم على أساس الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم.
كما علينا أن نضع نصب أعيننا حقيقة أن المعادلة في جوهرها لا تعني أنه يوجد رابح أو خاسر، فالقوة تكمن في القدرة على التعامل مع المتغيرات، وقد كان السوريون على امتداد تاريخهم مثالاً في إثبات القدرة على التعامل مع الظروف المستجدة من حولهم. وماداموا هكذا فنحن على ثقة بأننا جميعاً سنربح مع استمرارنا في المضي إلى الأمام على مسار التنمية الشاملة، وتنمية إحساس وطني بالإنجاز مستمد من التغلب على التحديات، والتسلح بروابطنا وتضحياتنا المشتركة.