انتُخب الرفيق بشار الأسد بإجماع أعضاء اللجنة المركزية الموسعة أميناً عاماً لحزب البعث العربي الاشتراكي.
وكان الرفيق الأسد ألقى كلمة شاملة، صباح اليوم، في افتتاح أعمال اجتماع اللجنة الموسعة للحزب، تناول فيها جملةً من القضايا النظرية والإيديولوجية التي تهم الحزب، إضافةً إلى عناوين محلية وعربية وعالمية.
الأولى من نوعها
واعتبر الرفيق الأسد أن الانتخابات التي شهدها الحزب بما أسفرت عنه من نتائج ستشكل قيمةً مضافة في مسيرة الحزب، بإيجابياتها التي كانت متوقعة، وبسلبياتها التي ستشكل دروساً، والتي ستكون عناوين في المرحلة القادمة لمناقشتها وإدخال التعديلات على الأنظمة المتعلقة بها، مضيفاً: صحيح أن هذه الانتخابات ليست الأولى، إذ خضنا انتخابات منذ عدة سنوات بتفاصيلها، وبأنظمتها وبالحماس المرافق لها، وبالزخم الكبير الذي شهدناه بها، ولكنها دون مبالغة ستكون أول انتخابات حقيقية في تاريخ الحزب، لأن ما شاهدناه في الأشهر القليلة الماضية غير مسبوق في تاريخ الحزب منذ نشأته.
وتابع الرفيق الأمين العام: في هذه الفترة يمرّ على سورية ثمانية عقود كان الحزب هو اللاعب الأساسي فيها على الساحة السياسية؛ فمنذ نشأته، والدور السياسي الذي لعبه منذ منتصف الخمسينيات في مواجهة حلف بغداد، وفي مواجهة الإخوان المسلمين سياسياً، وبالوحدة مع مصر التي كان الحزب هو اللاعب الأساسي والمحرك الأساسي لها، ولاحقاً في مواجهة الانفصال وثورة الثامن من آذار، وبعدها مرحلة الحركة التصحيحية، وإنشاء البنية التحتية الكبيرة، ثم مواجهة عصابات الإخوان المسلمين، مرة أخرى، في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، وصولاً إلى الحرب الحالية، وما قدمه الحزب من شهداء واحتضان للقوات المسلحة.
دور مفصلي متواصل
ولفت الرفيق الأسد إلى أن الحزب قدّم شهداء وتضحيات كبيرة، ما يعني أنه من الصعب أن نفصل تاريخ ودور “البعث” عن تاريخ ودور سورية، وهذه حقيقة واقعة وليست ميزة، بل إنها مسؤولية تقع على عاتق كل بعثي، ومسؤولية كبيرة بكبر التحولات الكبرى التي مرّت بها سورية، وبحجم خطورة المفاصل التي مرت بها عبر تاريخها منذ الاستقلال، مشيراً إلى أن “البعث” حزب عقائدي، فعبر هذا التاريخ، شكّل مشكلة حقيقية للأعداء؛ فكل عقيدة تهدف لتوحيد المجتمع.. لتمكين المجتمع.. لتقوية المجتمع.. لحماية الوطن.. هي بشكل بديهي مشكلة للأعداء، لذلك أخطر ما يواجه الوطن هو الحروب العقائدية كالنازية الجديدة والتطرّف الديني والليبرالية الحديثة.. والتي لا يمكن مواجهتها إلا بفكر العقيدة.
زرع اليأس كعقيدة
وتابع الرفيق الأسد: حتى الحرب الاقتصادية، والحرب الإرهابية، ليس بالضرورة أن يكون الهدف منها هو التجويع بالاقتصاد أو القتل بالإرهاب، بل الوصول إلى ثقافة اليأس التي تتحول مع الزمان عقيدة، أو ما يشبه العقيدة، نافياً صحة ما يروُّج له منذ ثلاثة عقود، من أن عصر الإيديولوجيات والأحزاب العقائدية قد انتهى، ومبيناً أننا نعيش اليوم مرحلة إيديولوجية على مستوى العالم، لأن التطرّف عقيدة، ولأن الليبرالية الحديثة عقيدة، ولأن الخنوع الذي يدعو إليه الغرب تحت عناوين مختلفة هو عقيدة.. إذن.. دور الأحزاب العقائدية، وفي مقدمتها حزب البعث، في سورية تحديداً، هو أكثر أهمية اليوم مما سبق.. وبعد 77 عاماً من تأسيس “البعث”، و13 عاماً من الحرب الإرهابية على سورية، لا شك بأن “البعث” ما زال قوياً، مؤسسة وعقيدة.
وأردف الرفيق الأمين العام: لكن هذا لا يعني عدم وجود الكثير من السلبيات التي تراكمت عبر تاريخه، خلال السبعة عقود ونيف، إما بسبب عدم التطوير أو بسبب عدم معالجة الأخطاء المتراكمة، مضيفاً: أنا أعتقد أن ما يخيفنا هو ليس الأعداء مهما تكاثروا، ومهما أظهروا من شراسة، ولكن ما يخيفنا، حقيقةً، هو عدم معالجة هذه الأخطاء والتراكمات، لأنها هي التي يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحزب، مؤسسة وعقيدة. لذلك، عندما نتحدث عن التطوير، وعندما نمارس عملية التطوير، فليس لأن هنالك ظروفاً خارجية استدعت ذلك، كما يحلو للبعض أن يحلل من وقت لآخر، أو لأن هناك ضغوطاً، والغرب يئس من الضغوط على سورية منذ سنوات طويلة، مشدّداً على أننا نطور لأن التطوير حاجة حسية ووطنية وطبيعية، باعتبار أن المجتمعات تتطور بشكل مستمر، وهي دائماً في حالة حراك ولا تقف في المكان نفسه على الإطلاق، وكل بنية في أي مجتمع لا تتحرك من مكانها باتجاه الأمام تصبح بنية متخلفة وقديمة، وكلما ازدادت الظروف قسوة أو قساوة يصبح التطوير أكثر حاجة وليس العكس.
عدم تأجيل الإصلاح
وقال الرفيق الأسد: إن التأجيل ليس هو الخيار الصحيح.. بل السير في التطوير بأقصى سرعة هو الخيار، وهو الوسيلة والطريقة، وربما الوحيدة، لمواجهة الظروف الصعبة والتحديات، منوهاً بأن التحولات الكبرى التي نعيشها اليوم، ويعيشها العالم ككل، تؤثر علينا بشكل غير مباشر، وتفرض علينا مسؤوليات كبيرة وتحديات خطيرة.. ومن أولى هذه التحديات التي نواجهها الآن كحزب، هي بناء مؤسسة الحزب، وهو ليس تحدي حزب مجرد، مردفاً: أنا أتحدث عن تطوير الحزب وكأنه بنية مستقلة عن كل البنى المستقلة في الوطن.. هو تحدٍّ عام في سورية.. لدينا مشكلة في الثقافة المؤسسية على المستوى العام: في الدولة، وفي المؤسسات، وخارج الدولة، ونراها في المجتمع بشكل عام.
وتابع الرفيق الأمين العام: إن كنا قد قطعنا بعض الخطوات على مستوى الدولة، ببناء المؤسسات، فالطريق أمامنا ما زال طويلاً، أما على مستوى الحزب فالانتخابات التي خطوناها مؤخراً، إضافة إلى ما سبقها منذ عدة سنوات، هي أيضاً خطوة باتجاه العمل المؤسسي، ولكن لا بد، وخاصة بعد هذه الانتخابات، وبعد هذا الاجتماع الموسع، من أن يكون هناك خطوات متممة في طريق بناء مؤسسة “البعث”، مشدداً على أنها يجب أن تنطلق في حوار معمق، وعلى كافة المستويات الحزبية، كما فعلنا خلال العام الماضي عندما ناقشنا النظام الذي سيحكم الانتخابات التي نختتمها اليوم بانتخاب اللجنة المركزية والقيادة المركزية الجديدة.
الحزب والسلطة
وأشار الرفيق الأمين العام إلى أن النقطة الأولى التي يجب أن ننطلق منها، هي أننا أحياناً نمتلك مفاهيم ولكنها غير مفسرة، وأحياناً تكون المفاهيم الضرورية غير موجودة، كمفهوم علاقة الحزب بالسلطة، وهذا لا علاقة له بالمادة الثامنة، كما يعتقد البعض مبيناً أننا يجب أن نناقش هذه النقطة إذا لم يعد هناك مادة ثامنة، مردفاً: لا هذا حوار ثابت يجب أن يبقى دائماً، وتكون له قاعدة فكرية واضحة.. إن علاقة الحزب بالسلطة ليس كما كنا نناقشها سابقاً ونحصرها بإطار ضيق كأن يتدخل فرع بالمحافظة أو قيادة مركزية (كانت تسمى قيادة قطرية) تتدخل بعمل الحكومة.
وتابع الأمين العام: الموضوع مرتبط بدور الحزب ودور الحكومة باعتبار أن “البعث” هو الحزب الحاكم، وبالتالي الحكومة، تنفذ السياسات، مشيراً إلى أنه من الطبيعي أن يكون الحزب هو من يقوم برسم السياسات التي نسميها “سياسات ما فوق حكومية”، أو “السياسات الشاملة”، وتأتي الحكومة لكي تنفذ هذه السياسات، وهذا يعني أن تنبثق سياسات الحكومة من رؤية الحزب، دون أن يلغي أحدهما الآخر، لأن هناك حديثاً من وقت لآخر حول تراجع دور الحزب.
وأضاف الرفيق الأسد: إن تراجع دور الحزب يعني إضعاف الحزب، مؤكداً أن ذلك ليس تراجعاً، بل هو إعادة تموضع لدور الحزب، ويحمي الحزب من إشكالات العمل الإجرائي اليومي التي تقوم به الحكومة، وبالتالي تحميل الحزب مسؤوليات لا يحملها. وشدد على أنه بالوقت نفسه، لا يجوز أن يقوم الحزب بتحميل مسؤولياته إلى الحكومة، مضيفاً: إذن، علاقة الحزب بالسلطة يجب أن تكون من العناوين الأولى التي نناقشها.. ما هو دورنا؟ وما هو دور السلطة التنفيذية التي تنفذ برامج الحزب؟
البنية التنظيمية
وقال الرفيق الأسد: النقطة الثانية هي البنية التنظيمية لكل المستويات، خاصة للقيادة المركزية، للفروع، وللشعب الحزبية، مبيناً أنه لدينا الآن مكاتب، ولدينا عدد متقارب من أعضاء قيادات الفروع، وكثير من المتفرغين بعد ستة عقود من حكم حزب البعث، متسائلاً: هل من المنطقي أن تكون هذه المكاتب، بقطاعاتها هي نفسها بعد أن تغير المجتمع، وتغير العالم، وتغير الاقتصاد والصناعة والتكنولوجيا وكل شيء، في حين بقيت المكاتب هي نفسها، فهل من المنطقي أن نبقى في المكان نفسه.
وتابع الأمين العام: لا بدّ أولاً من إعادة دراسة المكاتب والقطاعات التي يتعامل معها الحزب، وإعادة دراسة بنية هذه القيادات، بمعنى هل ندمج مكاتب مع بعضها؟ هل نلغي قطاعات لم نعد نحتاجها؟ هل نضيف قطاعات جديدة تتناسب مع العصر الحالي؟ هذا من جانب، منوهاً من جانب آخر بضرورة دراسة موضوع عدد المتفرغين، أي أننا لو قلنا، إن هناك عدد ما كبير، وبالتالي هناك أشخاص ليس لهم عمل بالمعنى الحقيقي، وإن هذا يشكل هدراً وإضاعة للوقت، وقمنا بتخفيض عدد الأعضاء، فهذا ينطوي على إيجابية وعلى سلبية.
وأردف الرفيق الأسد: ذكرت الإيجابيات، ولكن السلبية أن يدفع هذا القرار الحزبي لكي يكون في دائرة ضيقة، وهذا ليس شيئاً جيداً.. كلما اتسعت دائرة الحوار ودائرة القرار، كلما كان العمل أفضل من الناحية المؤسسية، لافتاً إلى أن هناك أفكار تطرح في أن لا نخفض العدد، ولكن يكون جزء من الأعضاء مفرغين، وجزء آخر غير مفرغ.. هذا احتمال طبعاً بحاجة لدراسة.. أنا أطرح أفكاراً لكي نحرض النقاش لاحقاً، ويكون أمامنا عناوين تشكل أرضية لتطوير مؤسستنا.
دور اللجنة المركزية
وأكد الرفيق الأسد أن العنوان المهم جداً هو دور اللجنة المركزية، مبيناً أن عمر هذه اللجنة المركزية أكثر من عشرة أعوام، وأنها لم تعمل حتى اليوم بشكل جدّي، والسبب قد يكون أحياناً الممارسة، وقد يكون هو النظام الداخلي نفسه.
وتابع الرفيق الأسد: هناك نظام داخلي للحزب.. هناك نظام للجنة المركزية، ونظام مالي ونظام هيئة للرقابة والتفتيش، أو لجنة الرقابة والتفتيش.. بحاجة لمراجعة، مردفاً: اللجنة المركزية هي قلب الحزب.. ماذا نريد منها؟ هل تتدخل في صناعة السياسات التي نتحدث عنها.. سياسات الحزب.. إذا كانت ستدخل في صناعة السياسات، هل من المفترض أن تتغير بنيتها لكي تتشكل من لجان اختصاصية، كما هو حال مجلس الشعب؟ وما هو الشكل المناسب لها؟ وما هي طبيعة العلاقة بينها وبين القيادة المركزية؟ هل من المنطقي أن تغيب اللجنة المركزية.. وتأتي لكي تقوم بدورها خلال أيام قليلة في اجتماع لتناقش القيادة المركزية، من خلال تقارير جزء كبير منها شكلي- كما نعرف- أو إنشائي لكي لا نقول “شكلياً”.
وأردف الرفيق الأمين العام: لا أعتقد بأن هذا الدور هو الدور المناسب للجنة المركزية.. كيف يمكن أن تكون المعطيات الموجودة لدى اللجنة المركزية محدثة بشكل مستمر، وتكون القيادة المركزية ملزمة بإرسال معلومات بشكل دوري اللجنة المركزية، وعندما تأتي اللجنة المركزية إلى الاجتماع تكون قادرة على القيام بمهامها، لافتاً إلى أننا قطعنا خطوة بالنسبة للجنة المركزية، باعتبار الجزء الأكبر منتخباً الآن، وتركيبتها لم تعد – كما كانت سابقاً – إما من الفروع أو بالتعيين أو غير ذلك، وبالتالي نحن نعتقد ونأمل بأن الأعضاء المنتخبين، أو الذين سوف ينتخبون اليوم، سيكونون قادرين على القيام بعملية المحاسبة المطلوبة، والتي يحددها النظام الداخلي، مردفاً: اعتقد أن ثلثي الأعضاء قادرين على القيام بعملية سحب الثقة، وغير ذلك من التفاصيل التي تعرفونها.. الشيء نفسه ينسحب على مؤتمرات الفروع والشعب.
مؤتمرات فعلية
وأوضح الأمين العام، أنه لا يجوز أن تبقى مؤتمراتنا على تلك المستويات ظواهر صوتية.. نأتي لكي نعبّر وننفذ ونخرج من دون أية نتيجة، بل مؤتمرات للحوار وللنقاش وللقرار وللمحاسبة.. هذا هو دورها.. هي تشبه دور اللجنة المركزية بالنسبة للقيادة المركزية.. والسؤال نفسه حول علاقة اللجنة بالقيادة المركزية.. وهنا نسأل: إذا تحدثنا عن المحاسبة والتغيير، هل يمكن أن نحاسب من دون أن نحدد المهام؟ وعلى أي أساس نفترض أن هناك رفيقاً ما، في قيادة على مستوى ما، مقصراً؟ وما هي المهام المطلوبة منه لكي نقول له إنك قصرت؟.. هذا سؤال أساسي يحكم نجاح فكرة تطوير هذه المستويات من المؤسسات، مردفاً: في الإطار نفسه إذا ذهبنا باتجاه فكرة سحب الثقة، ونجحنا في الوصول إلى معايير تحدد فشل ونجاح الرفاق في مواقع القيادة، فهل نبقي الآلية الحالية المطبقة بالنسبه للجنة العليا للانتخابات، في تلك المستويات، أي أن تبقى مربوطة بالاجتماع الدوري الذي يسبق المؤتمر؟ أو اللجنة المركزية الموسعة؟.. أعتقد أن الآلية خلقت راحة بين الرفاق الحزبيين على مستوى القواعد، ولا بد من دراسة كيف يمكن أن تستمر هذه الآلية بالعمل، لكي يكون هناك انتخابات حقيقية ومضبوطة.
وأضاف الأمين العام: في الإطار نفسه، نسأل أنفسنا حول دور اللجنة، والنظام الذي يحكمها؟.. فلو أخذنا الانتخابات الحالية، وهي انتخابات حرة بالمطلق، يعني دائرة واحدة، فإنها ستعطي صورة حقيقية عن الوضع العام بالنسبه للأعضاء، مع أن الزمن كان قصيراً لكي يقوم أي رفيق بحملة انتخابية، ولكن هل يا ترى خلقت هذه الآلية إشكالية على المستوى الوطني، على اعتبار أنه من الصعب تحديد تمثيل الشرائح في هذه الانتخابات عبر هذه الآلية، وبالتالي ضرورة العودة للوائح، لأنه يسهل ضبط تمثيل الشرائح بشكل وطني من خلالها؟.
انتخابات مجلس الشعب
وتابع الرفيق الأسد: إن هذه نقطة أيضاً للنقاش، وبما أننا مقبلون على انتخابات مجلس الشعب قريباً، فهناك نقطة مهمة جداً، وهي كيفية اختيار ممثلين لحزب البعث يشكلون توافقاً مع الشرائح غير الحزبية، منوهاً بأننا نختار ممثل الحزب إلى مجلس الشعب والإدارة المحلية، ولكننا لا نختاره ضمن عملية حزبية مغلقة، وإنما هو ممثل لشرائح مختلفة موجودة في المنطقة نفسها، أو على مستوى دائرة واحدة هي سورية، فكيف يمكن أن نقوم بهذه العملية ونكسب رضى الشرائح غير الحزبية؟.. أيضاً، علينا أن نناقش هذه النقطة في المرحلة القادمة.
محاسبة
وقال الرفيق الأسد: يجب أن نسعى لتطوير نظام مالي للحزب فعال وشفاف وقادر على مكافحة الهدر والفساد، موضحاً أن الأولوية بالنسبة لنا هي لإعادة تعيين مكتب مالي ومسؤول مكتب مالي في القيادة المركزية، وسيكون هناك دور مهم للجنة الرقابة والتفتيش التي سنعمل على تفعيلها، خاصة وأنها تتبع مباشرة للأمين العام، لتلعب دوراً في الرقابة المالية من جانب، ولكن – وهو الأهم – ستقوم أيضاً بمتابعة الأداء بشكل عام، فمن مهامها متابعة أعمال المؤتمرات، وبالتالي ما سيقرّ في هذا الاجتماع الموسع ستتم متابعته أيضاً من قبل لجنة الرقابة والتفتيش.
وأكد أن هذه عناوين أولويات، ولكن هناك عناوين أخرى كثيرة قام بطرحها على شكل أسئلة لأن الإجابة عليها هي التي ستحدد الشكل المؤسسي لحزبنا في المرحلة القادمة، ودوره، كما ستنعكس على فاعليته، لافتاً إلى أن كل هذه العناوين إطارها الفعلي هو النظام الداخلي للحزب.. فلا بدّ من إعادة مراجعة النظام الداخلي، وبشكل سريع، فالنظام الداخلي أساس الإنجاز في أي مجال.
الاشتراكية
وقال الرفيق الأمين العام: أما التحدي الثاني فيتعلق بصياغة رؤية الحزب، وتحديداً حيال القضايا الداخلية، والمقصود بذلك هو كيف يفهم الحزب دور الدولة تجاه مواطنيها في مختلف القضايا والقطاعات، لتعمل السلطة التنفيذية على تحويل هذه الرؤية إلى برامج، مشيراً إلى أن العنوان الأول والأهم بالنسبة لنا جميعاً، وبالنسبة لكافة المواطنين في سورية هو الوضع المعيشي، وإذا أردنا أن ننطلق من الوضع المعيشي لا نستطيع إلا أن ننطلق من العنوان الأساسي بالنسبة لنا كحزب، وهو الاشتراكية.. والاشتراكية بالنسبة لنا – حسب ما نفهمها اليوم – هي العدالة الاجتماعية، فنحن لا نستطيع العودة إلى التعاريف الأكاديمية، والنظريات القديمة، وتعريفها بأنها الملكية الكاملة للقطاع العام وإلغاء القطاع الخاص، مبيناً أنه بهذا التعريف وبهذا الشكل، لم تكن سورية في يوم من الأيام اشتراكية محضة؛ فالاشتراكية منذ طبقت منذ أكثر من قرن في أماكن مختلفة في العالم، بما فيها سورية، حيث أخذت طيفاً واسعاً من التطرّف والماركسية في النصف الثاني من الستينيات، ومن ثم إلى الانفتاح بعد عام 1970، فإلى الانفتاح الذي نعيشه حالياً.. نماذج كثيرة جداً.. علينا أن نحدّد منها الأنموذج الذي يناسبنا من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية والقدرة على مواجهة الظروف الراهنة التي نعيشها، وثالثاً قدرته على التقدّم بنا قدماً إلى الأمام.
وأكد الرفيق الأسد أننا لا نتحدث عن تقدم بشكل شامل، بل نتحدث بشكل واقعي عن القدرة على تحقيق خروقات في مجالات محدّدة نعتبرها أولويات لنا في سورية، وخاصة في المجال الاقتصادي، منوهاً في الوقت نفسه بأن الاشتراكية تطرح علينا سؤالاً كحزب، وهو متى ينطلق النهج الاقتصادي لحزب البعث من الإيديولوجيا؟ ومتى ينطلق من القواعد الاقتصادية.. بمعنى: هل هناك توافق بينهما أم تناقض أم هناك حل وسط نستطيع من خلاله أن نستند إلى الجانب الإيديولوجي، وبنفس الوقت أيضاً إلى القواعد العلمية الاقتصادية، مردفاً: وبالإطار نفسه، ما هي قدرة الاقتصاد على تحمل القواعد الإيديولوجية دون أن يكون منهكاً وخاسراً؟.. منوهاً بأن إيجاد التوازن إيديولوجية أساسية في نهج “البعث”، وأنه لا يمكن التخلّي عنها.
عدم الاقتصار على الجانب الاجتماعي
وتابع: عندما نقول إيديولوجية فهي الاشتراكية، وهي الوضع الاجتماعي، أو الجانب الاجتماعي، وكما قلت أيضاً: ما هو التوازن بين الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي؟، مبيناً، أنها كلها أسئلة تدور حول عنوان واحد، ولكن يجب أن نراها من كل الزوايا، لأننا عندما نتحدث عن التوازن بين القواعد الاقتصادية والقواعد الاجتماعية، فهذا يعني أن نسير بخط دقيق لا يكون فيه الجانب الاقتصادي مجرّداً على حساب المجتمع، لأننا في هذه الحالة سوف نتحول إلى حزب رأسمالي، كما لا يمكن أن نسير بالعكس باتجاه الجانب الاجتماعي بشكل مجرّد لأننا عند ذلك سوف نكون دولة مفلسة، لذلك أتحدث عن كل هذه العناوين لكي نصل إلى نقطة التوازن بين الإيديولوجي وبين الاقتصادي، وهنا طرح كثيراً خلال العقدين الماضيين.
اقتصاد السوق
ولفت الأمين العام، إلى أنه منذ ما بعد المؤتمر القطري العاشر، فإن موضوع اقتصاد السوق الاجتماعي حُمّل ما لا يحمله من معانٍ ومن تفاسير، وحتى من أخطاء وعثرات، بل تعامل معه البعض وكأنه عقيدة قائمة بحدّ ذاتها، منوهاً بأنها لو كان عقيدة لما أبقينا الاشتراكية، ولو كانت الاشتراكية نظرية- أي ليست عقيدة- لكنا استبدلناها باقتصاد السوق الاجتماعي، والحقيقة أن رؤيتنا مبسطة؛ فالسوق هو منافسة، والعملية هي تطوير الاشتراكية لا أكثر ولا أقل، موضحاً أننا لو أبقينا كلمة السوق لوحدها فهذا يعني أننا تحولنا إلى اقتصاد السوق المتوحّش.. فكلمة الاجتماعي هي التي تحافظ على النهج الاشتراكي مع المنافسة.
وتابع الرفيق الأسد: بالنسبة للسوق، هناك من سيقول: لا يمكن أن يكون هناك سوق مع اشتراكية، وهذا غير صحيح لأن الأنموذج الصيني واضح، فقد تحولت الصين باتجاه اقتصاد السوق، وهي دولة شيوعية اشتراكية مركزية.
دعم الجميع
وقال الرفيق الأسد: إن الجانب الآخر، وهو عنوان مرتبط بالوضع المعيشي، منوهاً بأن الحزب تبنّى منذ بداياته الوقوف إلى جانب الكادحين، فالكادح قد يكون بالتعريف الطبقة التي تعمل، ولكنها فقيرة، فهل نقول الكادحين أم الفقراء عامة، باعتبار المفهوم أشمل؟.. سأتحدث عن الفقراء باعتبارهم الشريحة الأوسع أولاً، ومن الطبيعي أن يقف الحزب إلى جانب الشريحة الأوسع والشريحة التي تتأثر أكثر من غيرها بالأزمات الاقتصادية، ولكن حتى الأديان وقفت إلى جانب الفقير، كما أن الشريحة الفقيرة هي التي تضع كل ما يأتيها بشكل كامل في الاقتصاد، لكن الدولة التي يحكمها حزب البعث هي دولة لكل أبنائها، فإذاً ما هو البرنامج أو النهج الذي يمكن أن يتبناه حزب البعث، ويعبر عن تقاطع المصالح بين مختلف الشرائح، وليس شريحة تربح على حساب الأخرى؟، موضحاً أن الفقير عملياً هي قوة شرائية للتاجر، وإن لم يكن وضع الفقراء والشريحة الوسطى جيداً لا يمكن للاقتصاد أن يتحرك، والميسورون وأصحاب رؤوس الأموال هم القادرون على خلق فرص عمل، كما شدّد على ضرورة أن ننظر إلى الطبقة الكادحة أو الفقيرة نظرة اقتصادية قبل أن ننظر نظرة اجتماعية؛ لأن النظرة الاجتماعية تحول الحزب إلى العمل الخيري، أما النظرة الاقتصادية فتحوله إلى العمل الاقتصادي الذي يحقق مصلحة هذه الشريحة ومصلحة المجتمع ومصلحة الدولة بنفس الوقت.
سعر الصرف
وقال الرفيق الأسد: هنا سؤال يُطرح دائماً، أين تكمن الأولوية في سعر الصرف، أم في الإنتاج؟.. فإذا كانت الأسعار ثابتة، ولا يوجد فرص عمل كيف يعيش الفقير؟ كيف يطور نفسه؟ كيف ننقل هذه الشريحة من الفقر إلى الوسط؟.. أسئلة هامة جداً يجب أن نجيب عليها لكي تتمكن الحكومة والسلطة التنفيذية من وضع برامج تحقق هذه التوازنات.
وأضاف الرفيق الأسد: إن الجانب الآخر الدعم عبر عقود طويلة.. الدعم يحمّل للمصرف المركزي، وهي ليست من مهام المصرف المركزي، ولكن لأن الدعم ضروري للمواطنين بشكل عام، وخاصة لهذه الشرائح.. كان لا بد من إيجاد طريقة حُمّلت للمصرف المركزي ماذا كانت النتيجة؟ أن هذا المصرف أصبح أقل قدرة على التعامل مع حالة التضخم بالرغم من أنهم يقومون الآن بعمل كبير جداً وضخم للجم- وليس إيقاف التضخم- بل لجمه، منوهاً بأن لو كانت هذه السياسة بشكل مختلف لكان الوضع اليوم أفضل بكثير بالنسبة لسعر الصرف، وبالنتيجة لتلك الشرائح.. هذه مجرد أمثلة تعبّر عن ذهابنا باتجاه سياسات تخدم الشرائح الأفقر، ولكن بنتائج مختلفة.. يعني نوايا صادقة ونتائج معاكسة، وهنا لا يمكن أن نناقش الإجراءات الحكومية، مردفاً: أنا هنا لا أدافع عن أية حكومة، لا سابقة ولا حالية، ولا لاحقة، أنا أقول، إنه عندما لا يكون هناك توازن بين الاقتصادي والاجتماعي فسيكون هناك شلل للسياسات بكل مستوياتها، وعندما يكون هناك شلل بالسياسات سوف يكون هناك فشل في الإجراءات التي تقوم بها السلطة التنفيذية على كافة المستويات.
دور “العام”
ولفت الرفيق الأسد إلى أن الجانب الآخر، والعنوان الهام بالنسبة لنا أيضاً المرتبط بالاشتراكية هو القطاع العام، في أننا ننظر للقطاع العام أحياناً بشكل مجرّد، هو يعني معمل، وهو عامل، منوهاً بأن الحقيقة أن القطاع العام لعب دوراً هاماً عبر تاريخ سورية، وما زال، بالرغم من المصاعب الجمّة التي تعترضه، ولا يمكن اختصار القطاع العام بعنوان صغير.
وتابع الرفيق الأمين العامر هناك قطاع عام إداري له دور، وهناك “عام” اقتصادي، ودوره مختلف كلياً.. هناك قطاع عام اقتصادي إنتاجي، وهناك قطاع عام إداري خدمي يقدّم الخدمات.. كل واحد من هذه القطاعات له دور.. نحن ننظر لهم كعنوان واحد، ولكن لنتحدث عن الاقتصادي بشقيه، والسؤال: ماذا نريد، لو سألنا أي بعثي ماذا تريد من القطاع العام، هل تريد منه التوظيف، هل تريد منه دعم الأسعار؟، أم هل تريد منه أن يكون رابحاً، مردفاً: وإذا أردنا منه الثلاثة عناصر فهل يمكن تحقيق العناصر الثلاثة مع بعضها، وخاصة الربح كونه اقتصادياً من جانب مع الاجتماعي، أي الدعم والتوظيف بمراسيم إحداث أي مؤسسة اقتصادية الربح هو عنوان أساسي فماذا يعني الربح؟.. يعني أن تكون الواردات أعلى من الكلف الحقيقية، الرواتب، الكهرباء، والوقود.. لكن الواقع ليس كذلك، مبيناً أنه في معظم المؤسسات، وخاصة عندما تكون السياسات تحمّل لهذه المؤسسات.. بمعنى إذا كان واجبها الدعم، فالدعم هو من مهام الخزينة المركزية، وليس من مهام المؤسسات، أما التوظيف إذا كان هو الهدف سوف نخسر، وهو اسمه اقتصادي، فلماذا لا نقوم بتوظيف الناس في القطاع الإداري، أو لماذا لا نعطي الناس هذه الأموال التي تذهب تجاه الهدر والفساد وتجعل الدولة أضعف في القيام بواجباتها إذا كان من مهامها التوظيف؟.
وأضاف الرفيق الأسد: حسناً.. إذا كان من مهام الدولة التوظيف، أو لنسأل سؤالاً: أولاً ما هي حدود التوظيف.. ستبقى الدولة في سورية توظف، لكن ما هي حدود التوظيف في سورية، هل من واجبها التوظيف كما كنا نرى سابقاً في القطاع العام؟، مردفاً: حسناً.. كيف نوظف ونحافظ على النوعية ونحن نعرف تماماً أنه لا يمكن أن يتطور الوضع في سورية، إن لم تتطور الدولة، ولن تتطور الدولة، إن لم نتمكن من توظيف نوعيات عالية، ونوازن هنا أيضاً بين جانب التوظيف الاجتماعي، والتوظيف النوعي، متسائلاً: إذا وظفت الدولة فما هي السياسة بهذه الحالة التي سنتبناها كحزب؟.
الدعم الزراعي
وشدّد الأمين العام على أن قطاع الزراعة عنوان آخر هام.. الزراعة، أو دعم الزراعة هو ليس عنوان للنقاش.. أعتقد في كل بلد زراعي الزراعة تعادل الأمن الوطني، ولكن النقاش هو حول آلية دعم الزراعة.. هل ندعم؟ هل ندعم مستلزمات الإنتاج كما نفعل دائماً، أم ندعم المنتج الزراعي، وبالتالي يصل الدعم بشكل مباشر وكامل للفلاح، ولا يصل للطفيلي على الطريق؟.
مكافحة الفساد
وتابع الرفيق الأسد: هذا عنوان من العناوين الضرورية بالنسبة لحزب البعث.. كل ما سبق يشكل بمجمله عنوان مكافحة الفساد.. عنوان مكافحة الفساد ليست عنواناً منفصلاً.. ليست عنواناً مجرداً، ولا عنواناً عاطفياً، ولا عنواناً انتقامياً كما يطرحه البعض، بل هو نتيجة لبناء هذه المؤسسات بهذا الشكل الصحيح؛ فمكافحة الفساد بحاجة لبيئة صحيحة، والبيئة الصحيحة بحاجة لمنظومة سليمة، لأنه من دون المنظومة السليمة لا داعي لإضاعة الوقت في مكافحة الفساد؛ لأننا لن نحقق أية نتيجة حقيقية ولو ضربنا.
وأوضح الرفيق الأمين العام أنه لو كُلف الكادر الصحي في وزارة الصحة بكل طواقمها أن يذهب إلى مدينة كي تعالج الأوبئة المنتشرة فيها، بسبب هو عدم قيام البلديات بجمع القمامة، ونطلب منهم أن يعيدوا الوضع الصحي إلى الشكل الطبيعي سوف يقولون لنا، لا يمكن أن نفعل أي شيء لأنه لا مشافي ولا أطباء ولا أدوية قادرة على مكافحة الأوبئة.. إبدأوا بجمع القمامة.. هكذا يجب أن ننظر إلى عملية مكافحة الفساد، لأنه إن لم نقم بجمع القمامة التي هي الخلل الإداري الموجود لدينا لا يمكن أن نصل إلى أيه نتيجة في موضوع مكافحة الفساد.
وأوضح أنه علينا بالتالي أن نضع أجوبة لهذه التساؤلات لكي يتمكن الحزب من وضع رؤية، ولكي تتمكن الحكومة من وضع برامج تنفيذية لهذه الرؤية.
ونوه الأمين العام بأنه علينا أن لا نؤجل العمل بهذا الاتجاه، لأننا اعتدنا عبر سنوات طويلة قبل الحرب أن نستخدم جملة معروفة وهي ” هلأ مو وقتها”.. هذه الجملة التي تبقي الأحلام مجرد أحلام.
لا تخل عن الدعم
وأردف الأمين العام: لكي أوضح ملخص هذه الفقرة، وكي لا يفسر كما يحلو للبعض أحياناً بأن هذه الجلسة كانت جلسة بريسترويكا، والتخلي عن القطاع العام والتخلي عن الدعم على الإطلاق.. أي أن كل ما سبق لا يعني أبداً التخلي عن القطاع العام، لأن دوره هام وسيبقى دور هام، ولكن يجب أن يكون دور القطاع العام هو دور نوعي ومدروس وهادف.. بمعنى أن كل ما سبق لا يعني التخلي عن الدعم، لأن الدعم ليس ضرورياً فقط للشرائح الأفقر؛ فالدعم ضروري لقوة الاقتصاد، لأن المشكلة هي ليست في مبدأ الدعم، وإنما في شكل وفي طريقة الدعم، وهذا يعني أن نعزز دور الدولة لكي تكون قادرة على القيام بواجباتها على أكمل وجه في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسيه والوطنية بشكل عام.
وأشار الرفيق الأمين العام إلى أنه قد يقول البعض “كنا نتوقع أن نسمع من الأمين العام إجابات على هذه الأسئلة التي طرحها، لكن ما دمت أُعطيت إجابات الآن فهذا يعني أنني أقوم بقطع الطريق على النقاش”، مردفاً: وأنا هنا اليوم كي أطلق النقاش، لا كي أقطع الطريق على النقاش.. هذا أولاً، وتالياً، إن القضايا الكبرى التي تمس المواطنين لا تبنى على أمين عام، أو رئيس جمهورية، أو رئيس حكومة، أو قيادة حزب، أو حكومة.. هذه المواضيع بحاجة لإطلاق حوار واسع أولاً على المستوى الحزبي بكل مستوياته، وثانياً على المستوى الوطني، عندها يمكن لأي شخص أن يعطي رأيه ويتخذ القرار الصحيح.
تحديث فكر “البعث”
وأكد الرفيق الأسد أن التحدي الثالث بالنسبه لنا كحزب بعث هو إعادة صياغة فكر الحزب بالشكل الذي يتماشى مع عصرنا، شرط أن لا يخالف انتماءنا بالشكل الذي يتفاعل مع حاضرنا، ولا يسلخنا عن جذورنا وحزبنا كحزب قومي عربي لا ينطلق من نظرية يضعها مثقفين أو مفكرين جلسوا منذ عام وقرروا أن يكون هناك هوية اسمها العروبة، مشدداً على أننا ننطلق من انتماء اجتماعي حقيقي تاريخي واقعي، أما النظرية تأتي لاحقاً كي تؤطر هذا الانتماء وتعطيه شكل فكري تنقل هذا الانتماء من الحالة الغرائزية إلى الحالة الايجابية الفاعلة التي تعزز وحدة المجتمع، وتقويه، وتنقل حالة الانتماء هذه من حاله العصبية الجاهلية ضيقة الأفق إلى حالة شاملة واسعة تجمع كافة مكونات المجتمع عبر رفع الانتماء فوق المفهوم العرقي إلى المستوى الحضاري الإنساني الذي يبنى على تفاعل الأقوام بشكل طبيعي وعفوي وتدريجي في كافة المجالات في العرق، وفي الدين، وفي اللغة، وفي الثقافة، وفي الجغرافيا، وفي تبادل المصالح، وفي كل العناصر التي تكون المجتمع.
وتابع الرفيق الأسد: لهذا السبب استُهدفت الأحزاب القومية من قبل القوى الاستعمارية، ولو كانت هذه الأحزاب، ومنها حزبنا، تبنت المفاهيم الطائفية أو العرقية لكانت قد دُعمت مباشرة من قبل الغرب لأنها تتوافق مع الأهداف الاستعمارية التقسيمية، واستكمل استهداف الأحزاب باستهداف العناوين والعناصر الأساسية المكونة لمجتمعاتنا العربية، وهي العروبة، والإسلام والمسيحية، وعملوا على خلق شروخ بين هذه المكونات. وبالفعل فقد بدأوا بالموضوع العربي المسيحي منذ عقود طويلة، وتحديداً في سورية.. لا أتحدث عن بلاد الشام بأن هذه المنطقة مسيحية والعرب والمسلمون فيها، فاللغة هي نتيجة الغزوات التي حصلت بعد قدوم الاسلام.. يعني جمعوا كل تلك العناصر ووضعوها في بوتقة واحدة، وبالتالي الهوية الحقيقية لبلاد الشام ليست الهوية العربية، هي هوية مصطنعة عمرها قرن- أكثر بقليل أو أقل بقليل- لأنه عندما نتحدث عن العرب، وعندما نتحدث عن اللغة، وعندما نتحدث عن الدين الإسلامي، فكل واحدة منها لها تاريخ يختلف عن الأخرى فالعرب مذكورون بالوثائق التاريخية قبل الميلاد كعرب، واستمر هذا التواجد خلال المرحله الآرامية وخلال المرحلة السريانية، وصولاً إلى الممالك العربية المسيحية، وصولاً إلى دخول الإسلام.
وأردف الرفيق الأسد: أما اللغة العربية – المحكية والمكتوبة- فدخلت كل واحدة منها بزمن مختلف.. ولتبسيط هذا الموضوع بأن هناك قوم يدخلون إلى مكان وفجأة يختفي القوم الأصليون ويحل محلهم قوم جدد، أو تأتي ثقافة وتحل محل ثقافة، وتختفي الثقافة الأولى، لكن هذا الكلام غير منطقي، وخاصة أن اللغة السريانية استمرت في سورية خمسة قرون بعد دخول الإسلام، فالمنطق يقول، إن الشعوب تتفاعل مع بعضها ثقافياً ولغوياً في المنطقة الواحدة، وفي المناطق المتجاورة، ولا توجد قوة تستطيع، بما فيها الحروب والغزوات، أن تسيطر على هذه الديناميكية بنفس الاتجاه وفي إطار تفتيت الهويات الاجتماعية أو الوطنية الموجودة إلى هويات تتصارع مع بعضها، ولهذا طرحوا إشكالية العروبة والإسلام التي سمعنا بها منذ، ربما بدايات القرن الماضي أو بعده بقليل، وهذا الطرح الإشكالي أو الصراع يدفعنا لسؤال محدد هو هل هناك فعلاً مشكلة أو صراع بين العروبة والإسلام؟ وهنا نستطيع أن نسأل سؤالاً موازياً يعطي الجواب السهل جداً هو إذا كان هناك مشكلة بين الدين والقومية، لماذا لا نسمع عن هذه المشكلة في الدول الإسلامية غير العربية، علماً أن الإسلام منتشر من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي؟ لماذا لا نسمع عن إشكالية الإسلام والقومية الفلانية في دول مختلفة؟ هل هناك إشكالية؟، إذا كان هناك إشكالية بين القومية والدين هل هناك إشكالية بين العروبة والمسيحية؟ بكل تأكيد لا، لأن أهم المفكرين القوميين كانوا من المسيحيين.
وتساؤل، لماذا لا نسمع عن إشكالية الأديان بشكل عام مع القوميات المتعددة في الأمريكيتين، وفي أفريقيا، وفي آسيا، وفي أوروبا، وفي كل مكان؟ الجواب واضح لأن القضية مفتعلة، و ليست حقيقية، فالدين هو أحد الأوجه الهامة والأساسية لأية هوية في أي مجتمع، لكن الدين لا ينفي ولا يحل ولا يتعارض ولا يتناقض مع الهويات القومية للشعوب، لذلك عندما نزل الدين الإسلامي في منطقة الجزيرة العربية أيام الجاهلية لم يكن هناك إشكالية قومية، بل كانت المشكلة مختلفة باعتبار أن المجتمع وثني ينطوي على مصالح شخصية، وباعتبار أن الإسلام دعا للعدالة، لكن الإسلام لم يتناقض مع القومية الموجودة في ذلك الوقت، مبيناً أنه لا يمكن لدين أن ينزل على شعوب أو على مجتمعات بدائية، لأن هذه المجتمعات لن تكون قادرة على حمل رسالة إلهية عظيمة، ونفس الشيء بالنسبة للغة، إذ لا يمكن للقرآن الكريم أن ينزل على شعوب بلغة غير قادرة على حمل معانيه العميقة، فإذاً المجتمع العربي بأوجهه الحضارية كان موجوداً، ولكن هذه الطاقة الحضارية كانت كامنة غير مفعلة، لكن آتى الإسلام لكي يطلق العنان لهذه الطاقة الموجودة، ويعطيها البعد الإنساني الأشمل والعالم الأوسع، هنا تكمن العلاقة المتبادلة بين العروبة والإسلام، لذلك نحن لسنا بحاجة لإختراع روابط، أو أن ننظر من أجل روابط بينهما، فهذه العلاقة هي علاقة طبيعية وعضوية لا تناقض بينها ولا صدام ولا إقصاء، بل تكامل وانسجام. كذلك هي العلاقة بين العروبة والمسيحية، كذلك هي العلاقة بين المسيحية والإسلام، كلها عناصر مكونة لهويتنا الجامعة، هوية هذه المنطقة التي تكونت ليس عبر القرون، بل عبر الألفيات من السنوات، وإلغاء أي عنصر من عناصر هذه الهوية يعني إلغاء الهوية برمتها.
العروبة والعرقية
وأشار الرفيق الأمين العام إلى أنهم وبنفس السياق، خلقوا تناقضاً بين العروبة وباقي المكونات القومية في منطقتنا على اعتبار أن العرب هم يمثلون عرقاً، وباقي المكونات تمثل أيضاً أعراقاً، فكل الناس متساوون، يعني كل الناس عبارة عن أعراق وهذا خطير، لأنه حصر الفكر العروبي في العرق، والعروبة التي نتحدث عنها دائماً هي العروبة الحضارية الشاملة المبنية على التنوع العرقي، والتنوع الديني، وهذا يعني أن العروبة الحضارية تعني الاندماج بين المكونات، ولا تعني الذوبان، بالعكس تعني الحفاظ على مكون كل هوية من الهويات في مجتمعنا، لأنه كلما ازداد هذا التنوع في المجتمع السوري كلما ازدادت العروبة غناً وثراءً، وكلما ظهر وبرز هذا التنوع كلما ازدادت العروبة ثقةً ورسوخاً، ونحن أنموذج حقيقي عن هذا التنوع، ففي هذه القاعة معظم مكونات المجتمع السوري، وربما كل المكونات، وهم منتسبون لحزب قومي لم يشعروا في يوم من الأيام بأن المطلوب أن تكون جزءاً من العروبة وأن تتخلى عن الهوية الأصلية.. بالعكس، نحن نشجع على التمسك بهذه الهويات.. وعلى تمسك باللغة.. إلى آخر ذلك من التفاصيل التي تمثل عناصر تلك الهويات، مردفاً: لكل ما سبق، ستبقى العروبة هي أساس فكرنا وتوجهاتنا، وانتمائنا الفطري والطبيعي؛ لأن العروبة بالنسبة لنا هي العمود الفقري الذي يحمل مكونات المجتمع، وعندما ينهار العمود الفقري تتفكك الروابط بين الأعضاء وينهار الجسد كاملاً، فإذا نحن بحاجة لتطوير فكر الحزب، والتركيز على العلاقة بين العروبة الحضارية الشاملة والهوية الوطنية المتنوعة، وبنفس الوقت القيم الإنسانية الراقية.. هذه العناصر الثلاثة هي التي تخلق الاستقرار في مجتمعنا؛ لأنها هي التي تحمينا من العناصر الفكرية الشاذة سواءً الناشئة في مجتمعنا كالتزمت الفكري، وعندما نقول تزمت فكري، فهذا يعني قد يكون دينياً.. قد يكون اجتماعياً.. قد يكون سياسياً أو أي تطرف آخر كالتزمت الفكري بأشكاله أو الإحباط، أو الدونية، أو في مواجهة الأفكار الواردة إلينا من الخارج، وفي مقدمتها الليبرالية الحديثة المدمرة للمجتمعات.
وتابع: هذا يدفعنا للسؤال أين هو موقع الفكر بالنسبة لنا كحزب البعث العربي الاشتراكي، وهذا يعني بشكل بديهي أين هو موقع المفكرين؟… بكل تأكيد لدينا فكر، وبكل تأكيد لدينا مفكرون، لكن لا توجد لدينا آلية واضحة، ولا يوجد لدينا بنية واضحة لتجديد الفكر وبقاء الفكر عملية متجدّدة بشكل مستمر، وليس بشكل طارئ أو موسم أو بعقود ومناسبات متباعدة.
القضية المركزية
وتابع الرفيق الأسد: وفي الوضع السياسي أيتها الرفيقات أيها الرفاق فالعنوان الأهم والأبرز اليوم هو الموضوع الفلسطيني، وأبرز ما في هذا العنوان هو عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ولكن بشكل لم يسبق له مثيل على الإطلاق.. بشكل غير مسبوق على الأطلاق منذ نشأت هذه القضية في عام ١٩٤٨، مضيفاً: اليوم اتضحت عدالة هذه القضية على مستوى العالم.. انكشفت حقيقة الكيان الصهيوني الإجرامية بالنسبة لمعظم العالم، وتراجع الدعم العالمي الذي حظيت به “إسرائيل” على الأقل على مستوى العالم.. طبعاً وليس على مستوى الغرب منذ البدأية، ولكن على مستوى العالم منذ تم توقيع اتفاقيات أوسلو، وهذا الشيء سوف يخلق مشكلة مزدوجة، الأولى هي للكيان الصهيوني الذي عاش على تعاطف العامة من الغربيين ليس فقط السياسيين، وإنما عامة المواطنين في الغرب منذ الأشهر الأولى لقيامه، وهذه المشكلة ستخلق مشكلة للساسة الغربيين الذين بدأوا يجدوا أنفسهم في مواجهة مع الرأي العام في بلادهم.
نفاق غربي
وأشار الرفيق الأمين العام إلى أن المشكلة الثانية هي إصابة وتدهور صورة المنظومة الغربية أولاً على مستوى العالم، فمنذ الحرب العالمية الثانية، ولكن بشكل خاص بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في عام، ولدينا أجيال من المنبهر والمفتون بالغرب.. مفتونين لدرجه أنهم منومين تنويماً مغناطيسياً؛ فكل ما يحصل في الغرب هو مذهل، وهو رائع، وهو جميل.. هذه الصورة بدأت تتدهور وتصاب بالصميم، لافتاً إلى أن الأهم من ذلك أن هذه الصورة بدأت تتدهور عند المواطنين الغربيين أنفسهم الذين كانوا يؤمنون بالمبادئ التي تقوم عليها هذه المنظومة.. اكتشفوا اليوم حقيقة المبادئ التي تقوم عليها، وهي الكذب والنفاق والخداع، وخداع شعوبهم أولا قبل الشعوب الأخرى في العالم؛ لذلك عندما نرى القمع الوحشي الذي لم نره سابقاً في الجامعات الأمريكية، ومثلها في فرنسا، ومثلها في ألمانيا، وأي تظاهرة تدل على انتقاد “إسرائيل” أو الوقوف إلى جانب غزة؛ فالهدف الأول هو ليس بالضرورة “إسرائيل” تحديداً، ولو أن “إسرائيل” هي ربيبة الغرب.. الحقيقة هذا القمع الوحشي الذي نراه وغير المسبوق يعبر عن حالة هلع للمنظومة الغربية بشكل عام.. هذه الحالة مرت بها المنظومة الغربية في نهاية الستينيات وفي بداية السبعينيات، وكان هناك تمرد، جانب له علاقة بالتطور الاجتماعي، وجانب له علاقة بحرب فيتنام، وجانب له علاقة بأن الجيل الشاب في ذلك الوقت كان ينظر باحتقار وبكره للمنظومة السياسية القائمة في الغرب، فكان هناك قمع، وكان هناك قتلى في الجامعات، ولكن الغرب يعتقد بأنه منذ ذلك الوقت بعد خمسة عقود قد تمكن من تدجين الشعوب الغربية، وخاصة الشباب، وكانت ذروة هذا التدجين هي مرحلة الكورونا، كما رأينا ما يحصل الآن خلق حالة هلع ورعب لدى هذه المنظومة من أن يكون هناك إمكانية لتمرد شعبي على تلك المنظومة.
هزت عرش أردوغان
وأردف الأمين العام: أما بالنسبة لمنطقتنا فقد فضحت الحرب على غزة حقيقة الكثير من الأنظمة، وميزت بين المواقف الحقيقية من الشكلي وميزت الصادق من المنافق وجعلت الموقف من القضية الفلسطينية هو المرجع في تقييم تلك المواقف، مبيناً أن الموقف من القضية الفلسطينية هو اليوم الذي يرفع أشخاصاً ودول، وهو الذي يهز العروش، وأهم أنموذج نراه اليوم هو الأنموذج التركي؛ فأردوغان تذاكى على شعبه بالرغم من أن الإنسان الذكي فعلاً يجب أن يعرف حقيقة بسيطة بأن الذكاء الجماعي الشعبي أقوى من أي ذكاء فردي، هذه هي طبيعة الإنسان.. مع ذلك أعتقد بأنه يستطيع أن يخدع الشعب التركي، ويهاجم “إسرائيل” بلسانه ويدعمها بيده، ولكن الشعب التركي لقنه درساً كبيراً في الانتخابات، وهذا الدرس مضمونه أن قوة الموقف الرسمي والحزبي تكمن في تماهيهما مع الموقف الشعبي، وهي حالة قلما نراها في كثير من الدول؛ إما لعدم مبدئية الدول أو المسؤولين أو الحكومات لنفاق لخضوعها أصحاب الفضل في مجيئه وغير ذلك، مؤكداً أن أردوغان اليوم قدم أنموذجاً هاماً جداً في هذا المجال، وكما نرى فهم يتحدثون الآن في تركيا عن قطع العلاقات الاقتصادية مع “إسرائيل”، ولا نعرف لماذا لم يقم أردوغان بهذه الخطوة منذ أشهر.. يعني هل سمع مؤخراً منذ شهر فقط بأن هناك مجازر ترتكب في غزة؟.. اعتقد بأن الأوان قد فات، والصورة الحقيقية قد ترسخت، والشخص قد افتضح الأكثر أهمية بالنسبة لنا في سورية تحديداً وهي حالة عامة أيضاً ليست مربوطة بسورية.
وتابع الرفيق الأسد: إن الحرب على غزة افتضحت دعاة الاقتداء بالغرب في الوطن العربي وفي سورية.. الغرب بحريته، الغرب بديمقراطيته.. الغرب بقيمه العظيمة الرائعة بحضارته بإنسانيته بمدنه إلى آخره..
وأردف الرفيق الأسد: أولئك الأشخاص الذين يحملون في عقولهم أقصى ما يمكن لإنسان أن يحمل من عقد نقص ودونية تجاه الأجنبي.. لم نسمع هؤلاء يتحدثون أو ينظرون حول موقف الغرب من الحرب على غزة.. موقف الغرب الداعم لـ”إسرائيل” سياسياً.. مشاركة القوات العسكرية والأمنية الغربية بشكل مباشر في الحرب.. إرسال السلاح لـ”إسرائيل”.. لم نسمع أية كلمة أو تصريح أو ملاحظة.. لم نسمع عن الديمقراطية المتعلقة بقمع الطلاب في الجامعات الامريكية، وغيرها بالرغم من أنها كلها كانت تحت سلطة القانون، أي متوافقة مع الدستور والقانون.. لم نسمع أي شيء عما يطرح الآن في الكونجرس الأمريكي بالنسبة لتوسيع مفهوم السامية، وبالتالي يمنع على أي شخص انتقاد “إسرائيل” كدولة كما يفترضون، أو الحديث عن الهولوكوست، أو أي شيء آخر يمس هذه المفاهيم لم نر الخونة يذهبون كالقطعان إلى الكونغرس لكي يطالبوا بقانون لمحاسبه “إسرائيل”.. هم ذهبوا كالقطعان من أجل قانون محاسبة سورية، لا يجهر لدينا مشكلة نحن نقبل أن يكون هناك قانون لمحاسبه سورية في الكونغرس، ولكن أن يعملوا بالتوازي من أجل قانون لمحاسبة “إسرائيل”، لافتاً إلى أن هذا كله عبارة عن خيال وأحلام.. لم نسمع بثيران الثورة الذين سموا خطأ بالثوار.. لم نسمع بأنهم أطلقوا صاروخاً واحداً من أجل كرامة أهل غزة.. لم نسمع أيضاً تصريح أو تظاهرة مع لافتات دعماً لهم.. كل هذا ليس بجديد علينا.. معروف بالنسبة لنا ولكم ولكل سوري، ولكن كل ما يحصل ثبت كل ما قلناه منذ الأيام الأولى للحرب على سورية.. القضية هي قضية عمالة..
الدرس من القضية
وتابع الرفيق الأمين العام: القضية هي قضية خيانة، لكن أهم الدروس التي تقدمها غزة هي الدرسان الفلسطيني واليمني قدما دروساً للعرب بشكل عام وللسوريين بشكل خاص.. لماذا للسوريين بشكل خاص؟ لأن مبادئ الحرب متشابهه، قتل إرهاب، حصار، تدمير، وغير ذلك من المعاناة التي نراها في هذه الدول الثلاثة، لكن كلنا نعرف بأن الوضع في فلسطين لا يقارن في سورية، وأيضاً الوضع في اليمن لا يقارن في سورية.. أوضاع الفلسطيني واليمني أصعب بكثير من أوضاعنا.. من كافة المعاني والأوجه، منوهاً بأنهم مع ذلك قدموا دروساً في العزة.. في الكرامة.. في الشهامة في الإرادة، وفي حب الوطن، وبأن هذه العناصر لوحدها من دون وجود إمكانيات حقيقية قد حولت اليمن وغزة، وإذا أردنا أن نقول فلسطين بشكل عام ليس إلى قوة إقليمية، بل إلى قوة عالمية حقيقية فرضت نفسها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، كما تمكنوا من ذلك لأن فكر العمالة لم ينتشر، ولأن عقيدة الهزيمة لم تزدهر عندهم.. لا حاجة لتكرار موقفنا الوطني من الكيان المجرم، وموقفنا ثابت منذ نشوء القضية الفلسطينية، ولم يهتز للحظة، أو ظرف، ولا أتحدث عن هذه الحرب.. أقول عن القضية الفلسطينية منذ عقود كل الظروف التي مرت بها سورية، والانقلابات والاستقرار وغيرها لا يجرؤ مسؤول في سورية على التنازل تجاه القضية الفلسطينية، ولن نتنازل اليوم لأن جوهر القضية لم يتغير، ولان العدو نفسه لم يتغير، والمتغير الوحيد هو الأحداث بشكلها الخارجي، فالمجازر ليست بارئه على سلوك الكيان الصهيوني سواء ارتفعت، ازدادت، أم انخفضت، لا يهم، والانحياز الغربي الأعمى للصهيونية من قبل الدول الغربية هو ليس بجديد.
صلابة موقف غزة
وتابع الأمين العام: إن هذا الصمود الذي أربك الغرب وأذنابه في منطقتنا، و قبل كل هؤلاء الكيان الصهيوني غير القادر على هزيمة مليوني شخص محاصرين منذ عقود.. مجردين من كل مقومات القوة الحياة، ويعيشون في شريط طوله حوالي كيلومتران، وعرضه بضعة كيلومترات بتحالف غربي صهيوني لم نر له مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، مبيناً أنه طالما أن الوضع لم يتغير والحقوق لم تعد لا للفلسطينيين ولا للسوريين فلا شيء يبدل موقفنا أو يزيحه مقدار شعرة، وموقفنا من المقاومة وتموضعنا بالنسبة لها كمفهوم أو كممارسة لن يتبدل، بالعكس هو يزداد رسوخاً لأن الأحداث أثبتت أن من لا يمتلك قراره لا أمل له بالمستقبل، ومن لا يمتلك القوة لا قيمة له في هذا العالم، ومن لا يقاوم دفاعاً عن الوطن، فلا يستحق وطناً بالأساس؛ فالخضوع يعطي شعوراً كاذباً بالأمان، وربما بالقوة، وأحياناً بالوجود أو بالكينونة لكن إلى حين ينتهي هذا الدور، وتنتهي المهمة المطلوبة ليتم بعدها الاستغناء عن الأشخاص، وعن الدول، وعن الأوطان، وعندما يتم الاستغناء عن الأوطان فهذا يعني دمارها وزوالها.
الرفاق الرفيقات والرفاق.. أتمنى لكم كل التوفيق لاجتماع كل النجاح، وأرجو أن يكون هذا الاجتماع مفصلاً حقيقياً في مسيرة الحزب والوطن، وشكراً لكم.