أعتقد أن البعثيين الحقيقيين الذين انتسبوا لحزب البعث، ومن ثم ثبّتوا عضويتهم فيه لإيمانهم الكبير بفكره التقدّمي ومبادئه وأدبياته وأهدافه، والملتزمين بقواعده التنظيمية والذين يمتلكون المقومات الأخلاقية العامة ويمارسون حياتهم وعملهم على أساسها، أكدوا في السابق ويؤكدون اليوم أهمية وضرورة القيام بالعملية الانتخابية لاختيار القيادات الحزبية المتسلسلة بعيداً عن المال السياسي وتدخّلات المتنفذين والقيادات، فهؤلاء ليسوا مع أسلوب التعيين الذي ثبت أنه لم يجلب مَن همُ الأفضل للحزب وقواعده وجماهيره والوطن، وإنما أوصل الكثير من المنافقين والوصوليين والسيئين والمنفّرين والتابعين البعيدين عن الفكر النيّر والمواقف الرجولية ومصالح الناس والوطن.
وضمن إطار ما تقدّم أعود لتأكيد ما سبق أن قلته أكثر من مرة، وفي أكثر من اجتماع أو مؤتمر حزبي، من أن الكثير من الممارسات التي سبقت ورافقت الانتخابات الحزبية – والتي تتناقض مع فكر البعث وأدبياته- تعكس ضعف الوعي وقلة التربية البعثية عند مَن مارسها وغياب الثقافة الانتخابية التي يُفترض أن تبني وتطوّر ولا تهدم وتخرب.. والوقاية من هذه الممارسات والقضاء عليها وإبعاد متزعميها وأدواتها لن تتم إلا بالاشتغال الحقيقي على نشر الوعي بأهمية وضرورة الانتخابات الديمقراطية الصحيحة في حزبنا، وخاصة في صفوف الشباب من أعضائه الذين لم ينخرطوا في اللعبة الانتخابية (المريضة) والذين يُفترض أن نعوّل عليهم لمستقبل أفضل، وأيضاً بترسيخ مبدأ الانتخابات وإجرائها بشكل دوري على أسس دقيقة وصولاً إلى عدم اختيار إلا الأكفأ والأجدر والأنزه، وبمساءلة ومحاسبة كل من يسيء إليها بممارساته التكتلية والمرضية والمصلحية وغير الأخلاقية.
وأضيف: إننا نفتقد ثقافة انتخاب سليمة بعيدة عن الممارسات السلبية، التي لا توصل الأكفأ والأجدر والأنزه للمواقع المتقدّمة والمفاصل المهمّة، ويبدو أن غياب أو ضعف الثقافة التي نريدها يعود إلى عوامل متعدّدة تتعلق بتربيتنا ووعينا، إضافة إلى عدم ديمومة ودورية الانتخابات والاعتماد على التعيين المباشر، أو التعيين من ضعف العدد المطلوب مع ما رافق ذلك من خلل وفساد ندفع ثمنه بين الحين والآخر!.
والوصول إلى ثقافة الانتخابات السليمة ونشرها وترسيخها بشكل دائم واستراتيجي يحتاج إلى مشروع مؤسساتي متكامل في إطار إعادة بناء الإنسان، عبر الوزارات المختصة (التربية- الشؤون الاجتماعية- الثقافة- الإعلام-..الخ) بالتعاون مع الأحزاب، وخاصة حزبنا الحاكم والمنظمات، ومن ثم يتم إقرار برامج تنفيذية لتطبيقه بدءاً من الطفولة والبيت، مروراً بالمدارس ومناهجها بمختلف مراحلها، والمنظمات والنقابات والجمعيات والنوادي، وليس انتهاء بالجامعات.. بحيث نخلق جيلاً بعد جيل من السوريين المؤمنين والممارسين للديمقراطية الصحيحة المستندة إلى الأسس الدقيقة والوطنية الخالصة البعيدة عن انتخاب الأشخاص بناء على قربهم وبعدهم ومناطقيتهم وطائفتهم وعشيرتهم، وبعيداً أيضاً عن العلاقات المصلحية والمرضية الضيّقة التي تربطنا معهم كما يحصل الآن.
وريثما يتم ذلك ونلمس نتائج تطبيق هذا المشروع، لابدّ من مساءلة ومحاسبة كل من يمارس ممارسات سلبية تسيء إلى العملية الانتخابية التي تجري على صعيد حزبنا، لأن التغاضي عنها وعن متزعّميها وأدواتها كما حصل في السابق ساهم في اختيار أشخاص غير مؤهّلين أو فاسدين ليس لهم أي مصلحة في خلق ثقافة انتخاب صحيحة من شأنها بناء وتطوير حزبنا ووطننا على أسس سليمة ومتينة، فربّما لا يكون لبعض القيادات الحزبية القائمة على عملها الآن مصلحة في إجراء انتخابات نزيهة في حزبنا، وستشكّل عائقاً كبيراً في نجاحها لأسباب لا مجال للخوض فيها الآن، لذلك يفترض إبعادها عن مواقعها قبل البدء بالعملية الانتخابية القادمة.