البعثيون أمام اختبار الوعي الذاتي.. تغليب الحس الوطني على المصالح الضيقة
هواجس كثيرة يحملها البعثيون اليوم وهم مقبلون على انتخابات تشير الإجراءات التمهيدية لها إلى أنها ستكون مختلفة في الشكل والمضمون، أما النتائج والمفرزات فهذا مرهون بمدى وعي الجهاز الحزبي لهذه الانتخابات.
نقلة نوعية
ويقول الرفيق منيف الجباعي: إن الحالة التنظيمية ضرورية في الحزب، واليوم نحن أمام استحقاق يتطلب منا الكثير وخياراتنا يجب أن تكون في غاية الدقة، فلذلك علينا اختيار من كانت بوصلته الوطن والمواطن، وهذا ما نريده من الانتخابات القادمة.
أما الرفيقة رائدة كشور، فتقول: إن حزب البعث العربي الاشتراكي حزب ثوري شامخ يعلو فوق جميع الأحزاب الباقية لكونه حزباً انتمائياً صادقاً بكل معانيه، ولذلك يجب وضع خطط مستقبلية جديده في كل مره تجرى فيها الانتخابات، وخصوصاً في ظل هذه الظروف التي نعيشها، وعلينا أيضاً انتخاب الرفيق المناسب الذي يخدم الحزب والوطن بآن واحد.
وعي الناخبين
وترى الرفيقة سوسن البني أن موضوع الانتخابات مرهون بوعي الناخبين، لأننا عندما نتحدث عن انتخابات تتصدّر مباشرة مسألة التكتلات، بدءاً من العائلية إلى العشائرية إلى المناطقية، حتى الاختصاص العلمي لم ينجُ من هذه التكتلات. وهنا ترى البني ضرورة أن يكون الناخب على درجة عالية من الوعي، وتحديد من هو الرفيق الجيد، وهل يستطيع تحقيق أهداف المرحلة القادمة، بالإضافة إلى تمتع المرشح بالكاريزما القيادية وتحلّيه بمهارات التواصل.
وعمّا إذا كان المأمول أن تجسّد الانتخابات حالة من الوعي والتخلص من الكثير من الشوائب كالمحسوبيات، يقول الرفيق المهندس عصام مداح: إذا تابعنا المسألة التنظمية خلال الفترة السابقة نجد أن العلاقة بين القيادات والقواعد كانت علاقة قائمة على تغليب المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة، لكن ما نراه اليوم هو تغيير جوهري في البنية التنظيمية للحزب بتغليب الديمقراطية على حساب المركزية. وهنا يقترح مداح أن يكون هناك دمج بين الديمقراطية والمركزية، بحيث نضمن وصول قيادات قادرة على إحداث نقلة نوعية في مسار الحزب تعيد له ألقه وحضوره، بمعنى أن تكون هناك ديمقراطية مشروطة ومحدّدة بمعايير موضوعية لمصلحة وحدة الحزب. بكل تأكيد لا بديل عن الانتخابات في المدى البعيد، ولكن علينا أن نضمن نتائج تصبّ في مصلحة الحزب بحيث نتخلص من الأمراض التي اقتحمت الحزب من عائلية ومحسوبيات وربما طائفية ومناطقية.
الرفيق صلاح النبواني يقترح في الإطار ذاته أن يكون النجاح غير مشروط بتسلسل أعلى الأصوات بل تقاطع كل المعلومات المطلوبة في السيرة الوطنية والمجتمعية والمهنية والمهمّات للرفيق الناجح مع الأصوات التي حصل عليها، حيث يمكن أن تنطبق على الرقم الأول أو الأخير، وفي كلتا الحالتين نكون حدّينا نوعاً ما من التكتل القاتل.
أما الرفيق كريم حمزة فيختصر الموضوع بضرورة إعادة تطبيق مواد النظام الداخلي لحزب البعث العربي الاشتراكي، وبهذا نحقق النتيجة المطلوبة.
الرهان الأصعب
الرفيقة ردينه أبو حلا انطلقت من تساؤل مهم: هل نحن جميعاً كبعثيين مستعدون لكسب الرهان في هذه المرحلة الاستثنائية؟ هل نستطيع جميعاً كمرشحين ومنتخبين ومنتخَبين وقادة ولجان أن نكون على قدر كافٍ من المسؤولية الملقاة على عاتقنا، ونكون يداً واحدة في مواجهة التحدي الأكبر والنهوض مجدّداً بحزبنا العظيم، وإعادة الألق الذي طالما كنا دائماً وأبداً نتباهى به؟
ولتحقيق ذلك، طالبت أبو حلا بضرورة الدفع بالذي يتمتع بالشخصية القيادية الفاعلة إلى الأمام لتحقيق ما نرجوه جميعنا من نجاح ورفعة لهذا الوطن، ولهذا الحزب العظيم الذي يستحق منا كل الوفاء، وأن نتخلّص من جميع الشوائب التي علقت به خلال الفترة الماضية، ومن جميع الممارسات الخاطئة وخاصة في موضوع الانتخابات، ولننتهج ما أكّده الرفيق بشار الأسد، الأمين العام للحزب، خلال اجتماعه مع أعضاء اللجنة المركزية، من أن الغاية الأساسية هي نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وأن تعكس تمثيلاً حقيقياً للقاعدة الشعبية لحزب البعث، واختيار قيادات حزبية قادرة على تحمل مسؤولياتها تجاه الحزب وكوادره، وتحقيق العدالة في الفرص لجميع المرشحين. ولذلك فلنقبل على هذه الانتخابات بإرادة ووعي تنظيمي، ونختَر الأكفأ ونمنع كل ما يعيق وصولهم، وليكن ما يجمعنا فقط هو حب الوطن وانتماءنا الصادق.
أما وجهة نظر الرفيق رؤيد حميدان فهي أن تكون الانتخابات الحالية مطابقة لكل ما يتمناه الرفاق البعثيون، فالذي يفتك بالحزب هو الممارسات المشينة من عائلية ومصلحية خاصة وعشائرية وغيرها الكثير، فإن كنا نريد بالفعل أن تكون انتخاباتنا ذات أثر مستدام لا بد من تغليب الضمير الوطني ومصلحة الوطن دون أن يعلو عليها أيّ شيء آخر، ويجب علينا أن نكون على قدر مسؤولية خياراتنا التي يجب أن تكون على قدر كبير أيضاً من المسؤولية والفعالية المجتمعية لا يجمعها سوى حب الوطن والانتماء الصادق لحزبنا العظيم، وإذا لم تتحوّل أقوالنا إلى أفعال على أرض الواقع فلن تكون هذه الانتخابات سوى خطوة إضافية نحو الترهّل وانعدام الحس الوطني.
مرحلة جديدة
ويتفق جميع البعثيين على أن المشكلة ليست في الفكر البعثي، ولكن في التطبيق الذي يُذهب الكثير من جوهر هذا الفكر. وهنا يقول الرفيق طرودي دوارة: إن علينا اختيار بل انتخاب المنتمين للبعث القادرين على إغناء التجربة الديمقراطية وتطويرها، لأنها تساهم في تطوير المجتمع، وبالتالي تطوير الحزب لأن الانتخابات جزء من العملية الديمقراطية.
وعن التكتلات العائلية والمناطقية والطائفية، يطرح دوارة السؤال التالي: من هو المتكتل؟ ما هي صفاته؟ من هم التابعون له؟ إذن المشكلة تكمن فينا نحن الناخبين، إذ نتحدث عن شيء ونفعل نقيضه، وهذا مخالف لنهج البعث. فلنصلح أنفسنا أولاً قبل اتهام الآخرين.
وإذا كنا أمام مرحلة مفصلية، كما يقول الرفيق طارق حمزة، يجب أن نعيد لحزبنا ألق الحضور الشعبي والجماهيري، وخاصةً أن حديث الرفيق الأمين العام للحزب زرع في نفوسنا ونفوس عامة الناس الثقة والأمل والرغبة في التّغيير نحو الأفضل. لذلك فإن توسيع المشاركة الحزبية في الانتخابات القادمة الهدف منه إفساح المجال، وتهيئة الظروف المناسبة أمام شرائح مختلفة من البعثيين للمشاركة في هذه العملية لكي نصل إلى مخرجات العمل الحزبي أكثر فاعلية وديناميكية، وأن نعيد للحزب ألق الحضور الجماهيري، كما كان في البدايات الأولى لتأسيسه، وهذا لا يعني الاقتصار على الفئات الشبابية وإنما الدمج بين الطموحات والأفكار الشبابية القائمة على الرغبة بالنهوض المجتمعي، وبين أفكار وخبرة أصحاب الكفاءات ممّن قدموا أفكاراً قادرة على التأثير في مجتمعاتهم بعيداً عن التكتلات والعائلية والمناطقية والطائفية، وبعيداً عن النمطية والتكرار والانسلاخ عن واقع مجتمعهم، فالحزب بحاجة إلى عدم الوقوع بأخطاء الماضي من محسوبيات وغيرها، ومن هنا أصبحنا بحاجة إلى انتخاب قيادة جديدة تحمل هموم المجتمع ومنحازة له ولمعاناته، وقادرة على الدفاع عن حقوقه ومجابهة الانتهازيين، الذين أرادوا ضرب وتشويه بنية الحزب وعقيدته من خلال سلوكياتهم المخرّبة للعقول والمجتمع، بل أصبحنا بأمس الحاجة لإعادة الثقة والصدقية للعلاقة بين قيادات الحزب والمجتمع من خلال الشفافية والانحياز، والابتعاد عن سياسة الأبواب المغلقة، وخاصة أن حزب البعث هو حزب الجماهير والعمال والفلاحين. ولهذا من الضروري جداً أن نمزج بين الانتخاب والتعيين على أساس العلم والكفاءة والعمل والحضور الشعبي والقدرة على الدفاع عن حقوق المواطنين، وحمل همومهم وتحقيق مطالبهم. وبذلك سنصل إلى قيادات حزبية فاعلة، ونستبعد من صفوفها الوصوليين والرماديبن الذين عرّتهم مراحل الأزمة وأظهرت حقيقتهم ومدى انتمائهم.
لا يختلف بعثيان أو اثنان من جماهير الحزب أن الانتخابات الحزبية جاءت في مرحلة مهمّة، وهي بحدّ ذاتها حالة إيجابية تساهم في ضخ دماء جديدة في عروق الحزب، وهذا يدعونا جميعاً إلى جعل هذه المرحلة الجديدة مرحلة تقييمية من خلال انتخابات حقيقية تضع كل شخص في المكانة التي يستحقها وصولاً إلى قيادات حزبية تعبّر عن إرادة البعثيين أولاً، وجماهير الحزب ثانياً.