أعاد ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط الذكريات السيئة إلى الأذهان العربية، حيث شكّلت أمريكا، بمساعدة بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الأعداء التاريخيين للعرب، تحالفاً غربياً لدعم “إسرائيل”، وتم إحضار جيوش ضخمة إلى المنطقة بحجّة مواجهة المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك حاملات الطائرات والغواصات النووية.
لقد قامت هذه القوى الاستعمارية باستعمار معظم أنحاء العالم العربي قبل أقل من قرن من الزمان، ودمّرت العراق وأفغانستان، وفقد العالم العربي بشكل عام ثقته منذ فترة طويلة في المنظمات الدولية والإقليمية، حيث رآها عاجزة أمام كل الصراعات المدمّرة التي تحدث في المنطقة، ولجامعة الدول العربية نصيب كبير من الغضب الشعبي حيث يتهمونها بالخضوع للضغوط الغربية، بل التحوّل إلى أداة مدمّرة في كل هذه الصراعات.
واستناداً إلى التجربة السلبية الطويلة، ومع عدم وجود خطوات أو خطط ملموسة، يُترك الفلسطينيون وحدهم ليُقتلوا على أيدي قوات الكيان الإسرائيلي المحتل والتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
وفي الواقع، أظهرت بعض الأنظمة العربية المختلفة أنها مهتمة بحماية مصالحها وعلاقاتها أكثر من اهتمامها بالمساعدة الفعّالة للفلسطينيين في حربهم المستمرة في غزة.
لقد فقد الفلسطينيون كل ثقتهم تقريباً في النظام الدولي وآليات القانون الدولي التي توفّر لهم أيّ عدالة أو حماية من الهيمنة العسكرية الإسرائيلية، حيث رأوا الأمم المتحدة تفشل في حماية المدنيين الفلسطينيين، مراراً وتكراراً، سواء من خلال ضعف الأونروا أم استخدام الولايات المتحدة حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن لمنع صدور قرارات تدين الأعمال الإسرائيلية، وتأكّدوا أن الاتحاد الأوروبي يواصل تزويد “إسرائيل” بالمليارات في الصفقات التجارية والمعدات العسكرية والتكنولوجيا والدعم الدبلوماسي، على الرغم من التوسّع الاستيطاني المستمر والقمع للفلسطينيين، وأدّى نفاق هذه السياسات إلى خيبة أمل الفلسطينيين بشدة من المجتمع الدولي.
من جهة أخرى، لا بدّ من الإشارة إلى التطوّرات الإيجابية المتمثلة في التحوّل في الموقف الشعبي الغربي من القضية الفلسطينية في بعض الدول، حيث تظهر الاستطلاعات أن أعداداً متزايدة من الناس في أوروبا وحتى في الولايات المتحدة يتعاطفون مع الشعب الفلسطيني وينتقدون سياسات السلطات الإسرائيلية.
أصبح من الواضح على نحو متزايد بالنسبة للكثيرين أن الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لا تمثل وجهات نظر قسم كبير من شعوبها بشأن هذه القضية، إضافة إلى أن هناك حركة شعبية كبيرة للتضامن مع الفلسطينيين تتشكّل في الغرب، ما يضغط على بعض الحكومات لمراجعة دعمها الأحادي الجانب لـ”إسرائيل”.
وفي هذا السياق يجد الغرب نفسه محاصراً بين الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وعلى المستوى الدولي، هناك ضغوط جاءت من التحالف المعادي لأمريكا والغرب، بما في ذلك روسيا والصين وإيران وغيرها من الدول الأكثر دعماً للحقوق الفلسطينية، بالإضافة إلى ذلك هناك أيضاً ضغوط من الجمهور في الدول الإسلامية، الذي أصبح صريحاً بشكل متزايد في دعمه للفلسطينيين، وعلى المستوى الداخلي، أصبح الرأي العام الغربي أكثر خيبة أمل إزاء دعم حكوماته الذي لا جدال فيه لـ”إسرائيل”، على الرغم من التكلفة البشرية التي يدفعها الفلسطينيون.
وإذا استمرّت هذه الضغوط في التصاعد، فهناك احتمال أن يتمكّن الغرب من دفع “إسرائيل” إلى إنهاء العدوان على غزة بسرعة من خلال وقف حقيقي لإطلاق النار وفتح الحدود، وهذا يعني تدمير مسيرة بنيامين نتنياهو السياسية وحكومته، بعد سنوات عديدة في السلطة، كما يمكن أن يؤدّي إلى تفاقم الأزمات الداخلية القائمة داخل الكيان.
لا تزال النتيجة الطويلة المدى للمواجهة العسكرية الحالية غير واضحة، لكن المقاومة الفلسطينية لن تتلاشى وستواصل النضال من أجل تحرير فلسطين وإنهاء القمع والاضطهاد.
يبدو أن لعنة العقد الثامن التي تطارد العقل الإسرائيلي قد تحقّقت، وبغض النظر عن كل القتل والدمار الذي تلحقه بهم “إسرائيل”، فإن الفلسطينيين ينتفضون ضد محتليهم مرة أخرى. إنهم لا يظهرون أيّ علامة على التخلي عن نضالهم حتى بلوغ حقوقهم في تقرير المصير والحرية في دولة فلسطينية مستقلة، بعد أكثر من 70 عاماً من الحرمان واحتلال أرضهم، وكلما طال أمد هذا الوضع في غزة، كانت العواقب وخيمة، وازدادت احتمالية رؤية الكثير من الأحداث الدراماتيكية كالانقلابات العسكرية أو الاضطرابات العامة.