بالطبع لا يمكن أن تمرّ التطورات الأخيرة في فلسطين المحتلة، دون أن يتطرق إليها الصحفي البرازيلي “بيب اسكوبار”، ويعرض وجهة نظره حول الحرب الدائرة في قطاع غزة والتي أشعلت شرارتها المقاومة الفلسطينية. حيث أشار إلى أن الاهتمام العالمي تحوّل من أوكرانيا إلى فلسطين المحتلة، ومن شأن مساحة المواجهة الجديدة هذه أن تغذي المنافسة بين الكتل الأطلسية والأوراسية، لافتاً إلى أنه تمّ التخطيط لعملية طوفان الأقصى التي قامت بها المقاومة بدقة متناهية، حتى أن تاريخ الإطلاق كان مشروطًا بعاملين مؤثرين:
أولاً: عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خريطته “للشرق الأوسط الجديد” في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، حيث “محا ” فلسطين بالكامل واستهزأ بكل قرارات الأمم المتحدة بشأن هذا الموضوع.
ثانياً: الاستفزازات المتسلسلة في المسجد الأقصى المبارك في القدس، والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، فقبل يومين من عطلة الأقصى، 5 تشرين الأول، شنّ ما لا يقلّ عن 800 مستوطن إسرائيلي هجوماً على المسجد، وضربوا الحجاج، ودمروا المتاجر الفلسطينية، وكل ذلك تحت مراقبة قوات الأمن الإسرائيلية.
إن كلّ من له عقل سليم يعلم أن الأقصى خط أحمر نهائي، ليس فقط بالنسبة للفلسطينيين، بل للعالم العربي والإسلامي برمته. وهذا ليس كل شيء، فقد استحضر الإسرائيليون خطاب “بيرل هاربر”، وهذا أمر خطير كما يحصل، حيث كانت “بيرل هاربر” الأولى بمثابة ذريعة لأميركا للدخول في حرب عالمية وقصف اليابان، ومن الممكن أن تكون “بيرل هاربر” هذه مبرراً لتل أبيب لشن إبادة جماعية في غزة، وخاصة الصهاينة الذين يتظاهرون بأنهم “محللون” والذين يؤكدون بصوت عالٍ أن “عمليات نقل السكان” التي بدأت في عام 1948 “يجب أن تكتمل”، موضحاً أن مشروعهم الأوكراني فشل وترك أيضاً الاقتصادات الأوروبية بأكملها في حالة خراب.
وأضاف اسكوبار أن غرب آسيا المسالم يعني إعادة إعمار سورية، والتي تشارك فيها الصين الآن رسمياً، إعادة التطوير النشطة للعراق ولبنان، إيران والمملكة السعودية في إطار مجموعة “البريكس 11″، الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين التي تحظى بالاحترام الكامل والتفاعل مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك الحلفاء الرئيسيون للولايات المتحدة في الخليج العربي، وهذا يقود إلى تكلفة شنّ هذه الحرب الجديدة.
وشدّد على أن “طوفان الأقصى” قد حطّم بالفعل بشكل لا يمكن إصلاحه الأسطورة الشعبية القائلة بأن جيش الدفاع الإسرائيلي، والموساد، والشين بيت، ودبابات الميركافا، والقبة الحديدية، وقوات الدفاع الإسرائيلية لا تقهر، وحتى عندما تخلت عن الاتصالات الإلكترونية، فقد استغلت المقاومة فرصة الانهيار الصارخ للأنظمة الإلكترونية الإسرائيلية التي تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات، والتي تراقب الحدود الأكثر حراسة على هذا الكوكب. وقد أصابت طائرات فلسطينية بدون طيار عدة أبراج استشعار، وسهلت تقدم مشاة الطيران المظلي، وفتحت الطريق أمام فرق هجومية ترتدي قمصان تي شيرت وتحمل بنادق AK-47 لاختراق الجدار وعبور الحدود التي لم تجرؤ حتى القطط الضالة على عبورها. ومن خلال الردّ تحولت “إسرائيل” إلى قطاع غزة وبدأ القصف العشوائي لمخيمات اللاجئين والمدارس والمباني المدنية والمساجد والأحياء الفقيرة.
ولفت إلى أنه يستطيع “الإسرائيليون” أن ينخرطوا بكل سرور في العقاب الجماعي، لأنهم يعلمون أنهم قادرون على الإفلات من العقاب، مع حصولهم على حق النقض ثلاث مرات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ناهيك عن أن صحيفة “هآرتس”، الصحيفة الأكثر انتشاراً، تعترف صراحة بأن الحكومة الإسرائيلية هي في الواقع المسؤولة الوحيدة عما حدث “طوفان الأقصى” لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم.
وتابع اسكوبار الشرح، مضيفاً أن الإنكار الجيوسياسي كان النتيجة المباشرة الرئيسية لفيضان الأقصى، وهي أن حلم المحافظين الجدد في واشنطن بـ”التطبيع” بين إسرائيل والعالم العربي سوف يتلاشى ببساطة إذا تحول إلى حرب طويلة. والواقع أن مساحات كبيرة من العالم العربي بدأت بالفعل في تطبيع العلاقات مع طهران، وليس فقط داخل مجموعة “البريكس 11” الموسعة حديثاً، وإنما أيضاً في التحرك نحو عالم متعدّد الأقطاب، ممثلاً بمجموعة “البريكس11″، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، من بين مؤسسات ثورية أخرى في أوراسيا وجنوب العالم، هناك ببساطة، لا مكان لدولة فصل عنصري عرقية مولعة بالعقاب الجماعي وفي هذا العام، تمّ استبعاد “إسرائيل” مرة أخرى من قمة الاتحاد الأفريقي.
زيادة على ذلك، أعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ دبلوماسياً في كانون الأول 2022، أن بكين “تدعم بقوة إنشاء دولة فلسطين المستقلة تتمتّع بالسيادة الكاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”، وتؤيد الصين أن تصبح فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة. أما إستراتيجية طهران فهي أكثر طموحاً بكثير: تقديم المشورة الإستراتيجية لحركات المقاومة في غرب آسيا، من بلاد الشام إلى الخليج العربي.
وختم اسكوبار شرحه بالتأكيد على أنه تمّ وضع قطع رقعة الشطرنج بعناية على يد القائد الراحل لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، الذي ساعد في إرساء الأسس للنجاحات التراكمية لحلفاء إيران في لبنان وسورية والعراق واليمن وفلسطين، فضلاً عن تهيئة الظروف لعملية معقدة مثل طوفان الأقصى.
في المقابل، وفي أماكن أخرى من المنطقة، تتخبط رغبة حلف الأطلسي في فتح ممرات إستراتيجية عبر البحار الخمسة: بحر قزوين، والبحر الأسود، والبحر الأحمر، والخليج العربي، وشرق البحر الأبيض المتوسط. بينما تقوم روسيا وإيران بالفعل بتعزيز ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب في البحر الأسود، وهذا يعني أن الحلم الأميركي بالتدخل في البحار الخمسة، في المستقبل القريب، ليس حتى سراباً. كما أدى فيضان الأقصى إلى دفن ممر النقل الذي أعلن عنه مؤخراً والذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة بين الاتحاد الأوروبي و”إسرائيل” والمملكة السعودية والهند، حيث تدرك الصين جيداً كل هذا التوهج الذي يحدث قبل أسبوع واحد فقط من منتدى الحزام والطريق الثالث في بكين. تكمن المشكلة في ممرات الاتصال ذات الأهمية لمبادرة الحزام والطريق ــ عبر هارتلاند، عبر روسيا، بالإضافة إلى طريق الحرير البحري وطريق الحرير في القطب الشمالي. وهناك أيضاً ممر النقل البحري بين الشمال والجنوب، الذي يربط روسيا وإيران والهند، وبالتالي دول الخليج. وهكذا ستؤدي التداعيات الجيوسياسية لفيضان الأقصى إلى تسريع الروابط الجيو- اقتصادية واللوجستية بين روسيا والصين وإيران، متجاوزة القوة المهيمنة وإمبراطوريتها الأساسية.