لم تتوقف الصين عن تمتين علاقتها بمحيطها الإقليمي، فقد شهدت تلك العلاقات تطورات متسارعة خلال العشرين عاماً الماضية، حيث قامت ببلورة إستراتيجية إقليمية بعيدة المدى في شرق القارة الآسيوية بهدف التخفيف من قلق ومخاوف جيرانها، وهي المخاوف التي أخذت أبعاداً مقلقة نتيجة عمليات الاستثمار الغربي فيما بات يُطلق عليه “بالخطر الصيني” الذي جرى تضخيمه بشكلٍ كبير، بسبب وجود صراعات ونزاعات حدودية قديمة ما بين الصين ومحيطها الإقليمي.
لقد حاولت الصين، بناءً على تلك التطورات المتسارعة، أن تُشرك جيرانها ومحيطها الإقليمي في العديد من المشاريع الإقليمية، وفي تجمعات سياسية واقتصادية على غرار “منظمة شنغهاي”، إضافةً إلى حرصها الشديد على التعاون الكبير، والمكثّف بينها وبين رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”، ومع العديد من الدول الواقعة على ضفاف نهر ميكونغ في جنوبي شرق آسيا الذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى توظيفه كورقة لزيادة مستوى التوتر والقلق بين الصين ومحيطها الإقليمي.
يُجمع الخبراء على أن السنوات الماضية شهدت تغيرات جيوسياسية، وجيو استراتيجية مهمّة على مستوى المحيط الإقليمي لجمهورية الصين، وفي كلّ الدول والمناطق المحيطة بجنوب وشرق آسيا، وهي تبدلات وتغيّرات دفعت الجيشين الصيني والباكستاني، إلى التقارب بشكل كبير على الرغم من أنّ الجيش الباكستاني معروف بتحالفه التقليدي مع الولايات المتحدة، فقد شرع الجيش الصيني والجيش الباكستاني وقواتهما البحرية الكبيرة في تبادل التجهيزات والتحضيرات للمشاركة في مناورات متطورة، وفي تبادل الخبرات والمعلومات والقدرات. بيد أن هذا التعاون بين الصين وباكستان يظلّ في نظر الولايات المتحدة محدوداً من حيث تأثيراته الإقليمية، بالنظر إلى الصعوبات والتعقيدات التي تميّز العلاقات الاستراتيجية بين دول المنطقة، إضافةً إلى أنّ المؤسسة العسكرية الباكستانية مازالت متمسّكة بتحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة، فضلاً عن ذلك فإن الولايات المتحدة تعتقد أن تحالفات الصين الإقليمية تظلّ ضعيفةً وهشّة، ولا يمكن مقارنتها بالتحالفات القائمة بين الدول الغربية في إطار حلف شمال الأطلسي.
إن محاولات الصين الهادفة إلى عقد تحالفات وصداقات مع محيطها الإقليمي وجيرانها في شرق آسيا، تتمّ في سياق تنافس محموم بينها وبين الولايات المتحدة من جهة، وبينها وبين الحلفاء الأوفياء للولايات المتحدة من جهةٍ أخرى. كما سعت الصين أيضاً، مع بداية الألفية الجديدة، إلى بلورة خطاب سياسي متوازن مطمئن لكل دول الإقليم ودول جيرانها الذين أبدوا قلقاً وتخوفاً واضحاً بشكلٍ كبير من تسارع قوتها الفائقة، وحرصت على أن تستعمل، كتوصيف لهذا التطور والصعود لقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية، كلمات من قبيل اقتصاد متطور صاعد، ثم تطور سلمي من أجل تبديد أي حالة قلق أو مخاوف، وإبعاد التصورات والأفكار المتعلقة، بما تصرّ الدول الغربية الأوروبية على تسميته بـ”الخطر الصيني”، وعملت في الإطار نفسه على تطبيق سياسة خارجية ممنهجة قائمة على حسن الجوار.
في حقيقة الأمر، إن جمهورية الصين عملت منذ التسعينيات من القرن الماضي على خلق محيط إقليمي آمن ومستقر، يمكنه أن يسهم إسهاماً كبيراً في دعم تطورها الاقتصادي، وفي ترسيخ استقرارها وأمنها الداخلي، بيد أنّ هذا التوجّه السياسي القائم على خيار الدبلوماسية المتعدّدة الأطراف مع الجيران ودول المحيط الإقليمي يزعج حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ولهذا السبب يقوم الجميع بالتجييش ضد العملاق الصاعد!.