حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

زيارة رئيسي لبكين.. نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين

في العلاقات الدولية هناك تفاصيل يومية وهناك نقاط تحوّل، الدول الكبيرة تتابع التفاصيل اليومية، لكنها تتوقّف كثيراً عند نقاط التحوّل.

من هنا فقد شكّلت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى بكين نقطة تحوّل في تاريخ العلاقات بين البلدين، لكن هذه الزيارة لم تلق اهتماماً إعلامياً رغم أهميتها على البلدين والمنطقة والعالم أجمع.

وهذا عائد إلى انشغال الإعلام العربي بالزلزال الكارثي الذي وقع في سوريا وتركيا، وعدم ارتياح العديد من دول المنطقة لتلك الزيارة، وإلى رغبة غربية بالتقليل من حجم الحدث وانعكاساته عليها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.

تكمن أهمية الزيارة من حيث التوقيت والأهداف، فقد جاءت في الوقت الذي يعيش فيه العالم تصعيداً غير مسبوق ضد روسيا في أوكرانيا، هذا التصعيد الذي يعكس اصطفافات دولية قد تنبئ بحدوث حرب عالمية ثالثة إذا ما تجاوز الضغط على موسكو الحد الذي تكون فيه قادرة على تجاوزه وضمان انتصارها، أو على الأقل عدم هزيمتها.

تأتي الزيارة والعالم يراقب سلوك الدولتين (الصين وإيران) بحذر وروية، خاصة وأن البلدين داعمان لموسكو، إن لم نقل إنهما حليفان لها كما يروق للكثير من المحللين تسمية ذلك. وتعكس الزيارة اهتمام قادة البلدين بتطوير علاقاتهما الثنائية وفي مختلف المجالات، لتنتقل إلى حد الشراكة الاستراتيجية كما يراد لها.

وتأتي أهمية هذه الزيارة من أنها تنقل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقّعة بين البلدين إلى حيز التنفيذ الفعلي، تلك الشراكة التي وقّعت في 27 آذار/مارس 2021، ونصت على تعاون اقتصادي يبلغ 400 مليار دولار ولمدة 25 عاماً، وتشمل كل المجالات العسكرية منها والتجارية. 

لقد عكست الطقوس والمراسم غير المعتادة التي رافقت زيارة الرئيس الإيراني أهمية تلك الزيارة بالنسبة لبكين، والتي جاءت تلبية لدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ. حيث جاءت هذه الزيارة في بداية السنة الصينية الجديدة لتشكّل فاتحة سياسية كبيرة في عام الأرنب الصيني.

ولمعرفة أهمية تلك الشراكة، ومدى اهتمام البلدين بها، علينا أن نشير إلى أن صاحب هذه الفكرة والمبادرة هو الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي كان قد طرح هذه المبادرة في العام 2016 عند زيارته لطهران. وبالتالي، فإن بكين لديها رؤية واضحة وأهداف محددة من هذه الشراكة، وهي الأكثر حرصاً على الإسراع في تنفيذها لما تتوقّعه من مكاسب استراتيجية منها. 

طرحت هذه المبادرة في عهد الرئيس الإيراني حسن روحاني، وحظيت بمباركة ودعم من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية آية الله خامنئي، والذي يدعم سياسة إيران في التوجّه شرقاً نحو موسكو وبكين. وبالتالي، فإن ما يقوم به الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يأتي استكمالاً لتلك التوجهات ووضعها حيز التنفيذ.

كما شهدت هذه الشراكة انتقادات من قبل بعض الأطراف الإيرانيين التي شكّكت وتخوّفت في الوقت ذاته من أن تصبّ وبشكل أكبر في مصلحة بكين. 

هذه المعارضة وهذا النقد، يشكّل حالة صحية تعكس وجود رأي آخر على الساحة السياسية الإيرانية، لكن كلمة الفصل كانت للبرلمان الإيراني الذي وافق على الاتفاقية وأقرّها.

إن ربط هذه المبادرة بزيارة الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية، وتوقيع عدة اتفاقيات معها، ومع بعض الدول العربية، غير دقيق وإلى حد كبير. فالمبادرة صيغت ووقّعت قبل ذلك بسنوات، وبكين حريصة على التعاون مع جميع الأطراف في المنطقة كما تعلن دوماً.

 وعندما طرحت المبادرة في العام 2016، لم تكن هناك حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة. وبالتالي، فإن هدفها أكبر من أن يكون رداً على العقوبات التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين، وفي وقت سابق على إيران.

أهمية التعاون بالنسبة إلى بكين:

لبكين مصالح استراتيجية كبيرة في المنطقة، ومع طهران بشكل خاص، لذا فقد سخّرت لشراكتها الاستراتيجية معها 400 مليار دولار. مع الإشارة إلى أن تلك المبالغ ليست قروضاً أو هبات، بل مشاريع استثمارية تنموية تنتظر منها بكين تحقيق المزيد من الأرباح.

ويمكن تحديد أهمية هذا التعاون بالنسبة لبكين بما يلي:

- تنفيذ مشروع الحزام والطريق الذي يربط الصين بحوالى 150 دولة، وتؤدّي فيه دول المنطقة دوراً كبيراً، وخاصة طهران التي تعد نقطة مهمة على الطريق البري.

- وقّعت الصين اتفاقات استراتيجية طويلة الأمد مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، وهذه الاتفاقات بحاجة إلى بيئة أمنية آمنة، وهذا لن يتحقّق من دون إشراك إيران في ذلك.

- تعزيز الوجود الصيني بالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي، والسعي ليكون لبكين دور في الاتفاقيات الأمنية في هذه المنطقة. وخاصة بعد الانسحاب الأميركي من المنطقة. حيث كانت بكين تعتقد أن الولايات المتحدة كانت تحافظ على أمن المنطقة من دون أن تدفع الصين شيئاً.

- بكين تريد الدخول إلى المنطقة "اقتصادياً" فقط، بمعنى أنها تتحاشى الانخراط في خلافاتها السياسية مستحيلة الحل من وجهة نظر بكين. 

- الوصول إلى ميناء جاسك الإيراني القريب من مضيق هرمز، والقريب من قاعدة الأسطول الخامس الأميركية الموجودة في البحرين.

- الحصول على تقنية صناعة المسيرات الإيرانية، عبر شراء هذه المسيّرات أو نقل صناعتها وتوطينها في الصين، حيث يجري الحديث عن رغبة بكين بشراء 15 ألف مسيّرة. فقد أحدثت هذه المسيّرات فرقاً في الحرب الأوكرانية، بعد أن قامت طهران بتزويد موسكو بها.

- تسعى بكين إلى تعزيز شراكاتها وتعاونها مع دول العالم، لإفشال المساعي الأميركية الهادفة إلى احتواء بكين وتطويقها بتحالفات آسيوية (كواد–أوكوس) وغيرها.

- الصين عملاق اقتصادي كبير، أو مصنع العالم كما يحب البعض تسميته. وهذا المصنع لكي يعمل فإنه يحتاج وبشكل كبير إلى النفط. 

وكانت الصين قد شهدت إغلاقاً كبيراً منذ ظهور كوفيد 19 في البلاد، واستمر هذا الإغلاق حوالى ثلاث سنوات، ثم عادت عجلة الحياة بعد أن رفعت الحكومة كل الإجراءات المتعلقة بكوفيد في البلاد، معلنة بذلك عودة الحياة إلى طبيعتها كما كانت قبل كوفيد. 

وتقدّر حاجة الصين اليومية من النفط بـ 10 ملايين برميل، لا تستطيع بكين تأمين سوى 25% من احتياجاتها محلياً، والباقي كله مستورد. وتكمن أهمية طهران على صعيد الطاقة في أمرين:

-  إيران هي ثالث احتياطي في منظمة أوبك للنفط (157 مليار برميل)، ويقدر إنتاج إيران من النفط بـ 4 ملايين برميل يومياً. وبالتالي، فهي تشكّل مصدراً مستقراً وثابتاً للطاقة ولمدة ربع قرن وبأسعار مخفّضة.

-  تستورد بكين حوالى 50% من احتياجاتها النفطية من منطقة الشرق الأوسط، وهذا النفط ينقل من خلال مضيق هرمز الذي تتمتع إيران بنفوذ كبير فيه. وبالتالي، فإن لتأمين هذا المضيق أهمية كبيرة بالنسبة لبكين. كما تقع إيران بين الخليج وبحر قزوين (خزّاني الطاقة في العالم).

مع الإشارة إلى أن الصين هي المشتري الأكبر للنفط الإيراني، ولا توجد أرقام دقيقة حول قيمة هذا التبادل، خاصة وأن بكين تتجاهل وضع أي أرقام عن ذلك نتيجة للعقوبات المفروضة على طهران. حيث يتم شراء هذا النفط عبر وسطاء أو شركات خاصة تحمل جنسية دول أخرى.

الأهداف الإيرانية:

تسعى طهران للتعامل مع المتغيرات الدولية المتسارعة، فمفاوضاتها النووية مع الغرب وصلت إلى طريق مسدود ولا أمل في استئناف المفاوضات في عهد بايدن، وحتى في عهد الرئيس القادم ربما، سواء أكان جمهورياً أم ديمقراطياً. فالديمقراطيون ضد الاتفاق، أو لا يملكون القدرة على إعادة إحيائه. أما الجمهوريون فهم من جمّد هذا الاتفاق في عهد ترامب. 

ويعكس اجتماع رئيسي مع المرشد الأعلى علي خامنئي قبل السفر إلى الصين، وحجم الوفد الإيراني ومكانته الرفيعة ما على المحك بالنسبة لإيران. حيث رافق رئيسي وزراء الخارجية والاقتصاد والطرق والتنمية الحضرية والنفط والزراعة والصناعة ومحافظ البنك المركزي الإيراني. 

وتعاني إيران وضعاً اقتصادياً صعباً نتيجة للعقوبات الغربية المفروضة عليها، التي تسببت في زعزعة أوضاعها الداخلية وأثارت موجة من الاحتجاجات في الشارع الإيراني. كما تشهد طهران محاولات أميركية صهيونية هدفها زعزعة أمنها واستقرارها، حيث شهدت البلاد في الآونة الأخيرة نشاطاً للموساد الصهيوني استطاعت الحكومة الإيرانية كشف بعض شبكاته وتفكيكها.

وتسعى طهران لتأدية دور أكبر على الساحة الدولية من خلال انضمامها لمنظمتي بريكس وشنغهاي ودور الصين الداعم لها في ذلك. كما تسعى أيضاً للاستفادة من المشاريع التي ستنفذها بكين في مجالات     مختلفة (الطاقة-البنوك-المصارف-القطارات-السكك الحديدية– المطارات (والأهمّ من ذلك هو تقنية الجيل الخامس، والبرنامج الصيني لتحديد المواقع (بايدو) البديل عن الـ GBS الأميركي. وهي تقنيات مهمة للاستخدام في المجال العسكري-تقنيات التحكّم بالإنترنت بشكل أفضل-منطقة (ماكو) للتبادل التجاري الحرّ في شمال إيران). 

صحيح أن الشراكة ركّزت على التعاون المدني بين البلدين، لكنها لم تغفل التعاون العسكري الذي يشمل إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بين الطرفين، وإجراء الأبحاث العسكرية المشتركة للوصول إلى تصنيع أسلحة مشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين.

وختاماً، فإن زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين ستضع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين موضع التنفيذ. وتعزّز، بل ربما تحسم خيارات إيران في حتمية التوجّه شرقاً، في ظل فقدان الأمل بعودة الحوار مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وتشجّع بكين على المزيد من الانخراط في التعاون مع دول المنطقة، وربما التوسّط لإيجاد تسوية للمنازعات القائمة فيها. 

مع التشديد على أن التعاون الصيني الإيراني ليس موجّهاً ضد أي دولة من دول المنطقة، بل ربما ستكون له نتائج ومنعكسات إيجابية لجهة حلحلة بعض المشكلات العالقة فيها. 

اضافة تعليق