حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

القذافي ونبوءته.. الخاشقجي أول الغيث

نارام سرجون

سبحان مغير الأحوال من ينظر إلى السعودية ويرى حالها وتخبطها اليوم فإنه يحس أن القوم في حيص بيص كما يقال في اللغة العربية.. هذه السعودية وإعلامها الجبار وجيش الكتبة والمرتزقة من الاعلاميين والكتاب ونجوم الفضاء وكتائب الدعاة ورجال الدين.. كل هذا يبدو مثل عش الدبابير الذي وقع على الأرض فكل عشاق السعودية وكل من يقبض منها من أجل مثل هذا اليوم مصاب بالعصبية والنزق والتوتر والدوخة مثل ملاكم ثقيل تلقى عدة صربات دوخته والحكم يعد له من واحد إلى عشرة وهو يحاول النهوض.

 

فجأة وقفت السعودية شبه وحيدة فيما العالم يأكلها حية وتلعقها بتلذذ ألسنة الضباع الجائعة.. وصار الصوت السعودي أمام ضجيج الإعلام العالمي خافتا بالكاد يسمع كما هي أصوات الثيران المخصية التي تموء كالقطط.. فيما قطر التي كان صوتها كصوت القطط منذ أشهر ارتفع وصار القط القطري يصدر صوتا خشنا مثل ثيران المصارعة الاسبانية.. فسبحان الذي جعل الثيران تموء.. وجعل القطط تخور..

 

معامل الأخبار تتفنن في صناعة المشاهد البشعة التي انتهت فيها حياة الخاشقجي الذي حسب الأخبار تحول إلى جمال الخازقجي حيث كل معمل أخبار يمزقه ويخوزقه على طريقته.. البعض يقول أنه تم نشره حيا بالمنشار والبعض الأخر يقول أنه ذبح ثم جاء قصابون سعوديون وسلخوا جلده ثم قطعوه بالسواطير كما يقطع الثور الذبيح.. وتأتي محطة أخرى بخبر عاجل يقول إن أشلاء الخاشقجي حملت في حقائب وسلال.. وان الشرطة تبحث في الأدغال عن تلك الحقائب.. وعن أصابعه وأنفه وشواربه ووو ..

 

ورغم بشاعة الأخبار التي يتم تداولها حول مصير الخاشقجي رجل القصور السعودية فان متابعة التقارير والتقارير المضادة صار مدعاة للتندر والتسلية.. خاصة ان محطة الجزيرة تبذل جهداً جباراً في عملية التشويق والإثارة.. وتتواصل التقارير فها دقيقة بدقيقة حتى أنها أعادتنا إلى ايام زمان وشهود العيان.. ومررت شخصياً بلحظات أحسست انني أرى فيها مسلسل حمزة الخطيب وقضيبه وزينب الحصني وقطعها التي صرخ لها الأهبل المرزوقي صرخته الشهيرة الاحتجاجية ضد الحكومة السورية (تقطعون البنات؟؟!!!).. فهناك براعة في شد الانتباه وسرد الأحداث والإمساك بالمشاهد حتى ان بعض المشاهدين لم يكونوا قادرين على ترك الشاشات لأن الجزيرة حضرتهم نفسيا الى انها في اي لحظة قد تبث مشاهد نشر الخاشقجي بالمنشار على الهواء مباشرة.. والجزيرة بارعة جدا في التشويق وتحويل الفرضيات الى حقائق.. فكلنا نذكرها في الشوارع السورية ومراسلوها يتحدثون عن المتظاهرين السلميين والجنازات التي يهاجمها رجال الأمن والشبيحة وهم يقتلون حتى من يحمل النعوش ويطلقون النار حتى على النعوش والأموات والقبور.. والحقيقة ان صديقي نزار – الذي طالما حدثتكم عنه – أسرّ لي انه لم يشاهد الجزيرة منذ سنوات ولكن مسلسل الخاشقجي كان مسلياً جداً وبوليسياً وأعاده إلى ذكريات وسهرات المفكر العربي والاتجاه المعاكس في الربيع العربي.. ولم ينقص الا ان يجلس عزمي بشارة وعلي الظفيري لخمسة واربعين دكيكة للحديث عن الخاشجكي !!.. وقد أغراني ماروي عن قفشات الجزيرة واستعادتها لأمجاد التلفيق والتأليف واستباق الأحداث انني تابعت تحقيقا لها يرصد حركات القنصل السعودي وهو يتجول مع مراسل رويتر في القنصلية.. حيث رصدت الجزيرة لحظة لعق شفتيه بلسانه ولحظة وضع يده في جيبه.. واستنتجت لنا انه متوتر جداً.. وأنه يفتح الخزائن بحذر وينظر فيها بحذر وكأن رأس الخاشقجي سيتدحرج من الرفوف أو كرشه سيندفع من بين الأدراج او ستتدلى أمعاؤه بين ربطات العنق..

 

ويبدو ان تقنية المسلسلات السياسية الطويلة التي لاتنتهي لاتزال لها سوقها الرائجة منذ ان انتشر المسلسل الطويل لـ “رفيء الحريري” الذي وبعد 13 سنة تحقيق وتهديد واتهام لانعلم حتى اليوم ان كان مات بتفجير تحت الارض او بسيارة مفخخة فوق الارض .. ولايزال التحقيق جاريا على طريقة (والشحن لم يصل بعد في مسلسل وادي المسك للفنان دريد لحام).. وهذه الطريقة في سرد الأخبار بالتقسيط والاغراق بالقطرات العاجلة على طريقة المسلسلات المكسيكية قد تفوقت عليها تقنية المسلسلات التركية للطيب اردوغان.. فالتسريبات التركية تلعب بأعصاب السعوديين وتحبس أنفاسهم.. وتبتزهم بهدوء ومكر وتنهي الحلقات في أحرج حلقاتها ليقول لنا اردوغان انه ينتظر بقية الحقائق وسيظهرها غداً.. وكل يوم تتغير الرواية التركية حسب تعثر المفاوضات او تيسرها.. فمرة تأخذنا إلى بعد متر واحد من الحفرة التي دفن فيها كرش الخاشقجي ثم تعود إلى تصحيح الخبر وتقول إن عقاله هو المدفون في الحفرة.. وأن السواح السعوديين وحقائبهم التي يفترض أنها تحمل قطع الخاشجقي تعود إلى عام 2013 وليس إلى عام 2018..

 

وبالعودة الى مايقوله المروجون تكتشف ان من كان يرسم للثوار السوريين مايقولون هو نفسه ذات المعمل الاخباري والغرفة المظلمة التي كانت تبكي على الطفل سارية ساعود وحمزة الخطيب وهي نفسها التي عزفت لحن الوداع لرفيء الحريري ونداء (بدنا الحئيئة) لتيار المستأبل.. فعندما كان الناس يستغربون ان يتهم (النظام السوري) بقتل الحريري ثم سمير قصير ثم جورج حاوي في نفس الفترة ثم ثم ثم.. رغم انه مرصود ومراقب بآلاف العيون فان الإجابة كانت تقول بأن هذا النظام متوحش وقد فقد صوابه.. وهو لرعونته وغروره لم يتوقع ان تكون ردة الفعل الشعبية والدولية بهذا الشكل.. وبعد ذلك بأعوام إذا كان احدهم يستغرب ان يقتل (النظام السوري المتظاهرين السلميين في درعا) رغم أن عيون كل الدنيا على المظاهرات وفيها مندوبون للجزيرة والسي ان ان اكثر من المتظاهرين كان ذات الكلام يقال: انه نظام متوحش .. وهو لم يتوقع ردة فعل الناس او الضمير الغاضب للعالم الحر .. واليوم نسمع نفس العبارة بأن النظام السعودي مجنون وهو لم يتوقع ن تكون هذه ردة فعل العالم .. ولذلك فانه ارتكب جريمته في وضح النهار في قنصليته رغم انها في أرض الخصم التركي وليس في أرض صديقة .. ولم يتوقع صحوة الضمير العالمي .. هذا الضمير لم يستيقظ من رائحة آلاف الجثث المحترقة في اليمن وتفسخ لحم الاطفال المشوي ورائحة الأوبئة والكوليرا هناك.. لكنه استفاق من اختفاء صحفي واحد مجرم.. كان ضابطا في المخابرات السعودية..

 

باختصار شديد.. سواء قتل الخاشقجي أم لم يقتل.. وسواء قطع ام لم يقطع.. فانني أحس ان المجرم هو المخابرات التركية والمخابرات الاميريكية.. والمخابرات الامريكية مضلعة بهذا العمل رغم ان الجاني المنفذ قد يكون جهاز المخابرات السعودي نفسه الذي نفذ لاميريكا كل جرائمها بيديه وبيد القاعدة .. وكما تخلصت من رجل السعودية ورجل فرنسا في لبنان رفيق الحريري واستعملت دمه ضد خصومها بعد ان تيقنت انه لم يعد مفيدا لها لانه لم يقنع السوريين بمطالب غربية .. فانها تخلصت من احد رجالها الذين لسبب ما لم يعودوا يفيدونها .. ويبدو ان الخاشقجي كان خزان معلومات غنيا عن كل النشاطات التركية والاميريكية والسعودية في الحرب على سورية وفي تحريك داعش والجهاديين بحكم انه وجهاز المخابرات السعودي كانوا جزءا من ذلك النشاط العنيف والاجرامي .. والنظرية الاحدث التي صارت تتداولها بعض الكواليس ان الخاشقجي كان ينفذ مهمة انشقاق ويتصرف كمعارض سعودي ناعم وبدأ يخترق صفوف الحركة الاخوانية والمعارضة السعودية في الخارج لصالح المخابرات السعودية.. أي كان يندس في صفوف الاسلاميين الاخونجية ورجال اميريكا.. وهذا ماأزعج الاسلاميين الاتراك واثار مخاوف القطريين.. ويبدو ان الرجل تعرض للتهديد لكن تبين انه يستطيع توريط تركيا وقطر في أكبر فضيحة دولية بدعم داعش اذا ماتم استفزازه.. وتناهى الى الكواليس تهديد أن السعودية مستعدة لأن تهد المعبد على نفسها وعلى تركيا .. وكونه أحد المساهمين والمنظرين في مشروع الجهاد العالمي صار الاتراك والغربيون يخشون ان يستعمل هذا التهديد جديا بايحاء من السعودية التي تتصرف وكانها لاعلاقة لها به لأنه منشق .. فقررت المخابرات التركية والاميركية التخلص منه ثم بيع قضيته دوليا وابتزاز السعودية الحصول على مزيد من التنازلات منها لتركيا وقطر من جهة وللولايات المتحدة .. فهو بالنسبة للولايات المتحدة عميل لديها منه مئة ألف نسخة في العالم العربي على الاقل .. وهذا مايفسر تموج التسريبات التركية وتناغمها مع ضغوط منسقة مع اميريكا وبريطانيا وفرنسا وقطر .. وذلك حسب المفاوضات السرية مع السعوديين الذين حوصروا في القضية .. فالاتراك لاشك يعرفون أين هو الرجل – أو قطعه المفككة – وأين تخلصوا منه.. وهم اذا ماثبت دورهم في العملية أو عبر استدراج السعوديين إلى الفخ مستعدون لتقطيعه اذا لم تتم الاستجابة لطلباتهم خاصة ان مطبخ الاعلام الغربي والجشع الغربي يقف معهم في عملية الابتزاز.. وسينشرون كل الفبركات المخلوطة بالحقائق التي ستكتشف لاحقا ولكن بعد ان يكون كل شيء قد حدث.. ولدينا درس شهادة الأميرة الكويتية من آل الصباح في الكونغرس التي مثلت انها ممرضة كويتية رأت بعينيها كيف يلقي الجنود العراقيون الأطفال الخدج من الحواضن على الأرض كالفراخ الصغيرة.. هذا الدرس لايجب ان ينسى .. وكانت شهادتها احد عوامل تبرير الحملة الغربية لتحرير الكويت من الجنود العراقيين المتوحشين .. جنود الديكتاتور صدام حسين !! بجنود ملاك الرحمة ومنقذ الاطفال جورج بوش.. وبعد المجزرة بحق العراقيين عرف العالم أن تلك الممرضة الباكية كانت أميرة من الأسرة الحاكمة وانها ليست ممرضة ..

 

لاازال استمتع بالعرض المشوق لعالم الحيوان الذي تعرضه الفضائيات العربية .. حيوانات تنهش حيوانات.. تماسيح تقضم لحم الخنازير.. وضباع تمزقها قرون الكركدن.. ولن اغمض عيني وأنا أنظر إلى احد الضباع الذي لايزال دمنا على شواربه تأكله الضباع التي كانت تشاركه الوليمة السورية والدم السوري.. ويقال في عالم الحيوان ان الحيوانات الظمأى عندما ترد المياه وتجد الضواري والتماسيح بانتظارها فانها تدفع بأحد أفرادها عنوة وتسقطه كقربان إذا ماتقدمها كي تأكله الضواري وتنشغل به عنها ليتمكن قطيع الحيوانات من شرب الماء.. وكل العرب دفعوا العرب إلى أشداق الضواري كي يشربوا الماء.. ولكن الضواري اليوم لم يعد أمامها الا ان تأكل تلك الحيوانات التي كانت تدفع بأحد أشقائها الى الماء ليموت بين أنياب التماسيح وغيرها.. وهذا مانراه في عالم الحيوانات ..

 

ولكن في هذا الدرس عبرة .. ربما قالها الراحل القذافي في مؤتمر القمة العربية في دمشق وقال للزعماء العرب بأن الدور (قادم عليكم جميعا واحدا بعد آخر) .. وهو كان يعني ماحدث للعراق.. وعندما استشهد ضحك الأعراب والاخونجيون كثيرا ووضعوا ذلك المشهد للسخرية من أنه لم يكن يعلم ان الدور قادم عليه هو.. ولكن القذافي في الحقيقة كان اعمق فهما لمأساة العرب بأن الجميع دون استثناء ستدور عليهم الدائرة ولن ينجو من المصير العراقي أحد.. وخاصة أولئك الذين اشتركوا في قتل العراق حتى ولو لعبوا دور كلاب الصيد الوفية للصياد.. فاليوم السعودية التي كانت مصنعا للجريمة والتلفيق والفبركة ضد العراق وليبيا وسورية أصابتها نفس اللعنة.. وهذا يعني ان الدائرة ستدور في الخليج المحتل .. وان قطر والامارات ستكونان في نفس الموقف بعد ان تنتهي الفقرة السعودية.. وبعدها دول الخليج واحدة واحدة .. ولن تنجو تركيا من هذا المصير .. هذا المصير الذي ذاقت بعض طعمه مع قضية القس برانسون الذي اطلقت سراحه وهي لاتدري ان ماسيأتيها افظع ولكن في موعد دقيق قادم في موعده .. لان من بعي هذه اللعبة وطعن السوريين سابقا بها سيطعن بسكينه ذاتها التي كان يطعن بها .. وسيطعنه من كان يقف خلفه يحرضه على الطعن ..

 

مما سبق أياكم أن تظنوا انني متعاطف مع السعودية أو مع الخاشقجي وقضيته .. ولكنني لن أغير علاقتي بالعقل والمنطق .. حتى لو كان الأمر متعلقا بعدو لي كالنظام السعودي.. فأنا لاأريد التخفيف عنه ولااريد اصطياده فيما وقع فيه وهذا ماهو سهل علينا اليوم فالبقرة وقعت.. والسكاكين تسن من كل حدب وصوب.. بل اريد ان استعمل هذه القضية أيضا للتأكيد ان ماقلته عن الاعلام الغربي والعربي سابقا هو الحقيقة وانه لن يتغير.. وانه اعلام مخابرات سواء كان معي او مع عدوي .. ولن اثق به .. لأنني ان اعطيته الثقة اليوم وصدقته فسيكون صعبا علي ان اجادله وانكر ادعاءاته بحقي في يوم لاحق.. ولكن هذا الاعلام لن يجرني اليه رغم مذاق العسل الذي يقدمه لي في الثأر من عدو شرب من دم اخوتي واصدقائي.. و أريد ان اقول اننا لايجب ان نستدعى أيضا الى الاستنفار واللحاق بموكب الإعلام الغربي فقط لأنه اليوم يصطاد عدونا.. لاننا اذا اعطيناه مصداقيته اليوم فاننا نعترف ان ماأنكرناه بالأمس منه كان في نفس السياق.. وماقد يحدث غدا لنا سيكون في نفس السياق .. اي اننا نصغي للاعلام دون تحليل ودون مقاومة .. ونستسلم له .. ونعطيه مصداقيته .. واذا اردنا ان نعيد رسم قضية الخاشقجي فاننا نقول انه سواء قتل على يد سعودية أو تم استدراج السعوديين بسذاجة فائقة لتنفيذ التصفية أو أنه قتل بيد غير سعودية فانه يستعمل بنفس الطريقة التي استعملت فيها كل المجازر والاغتيالات في وطني .. وبنفس التنسيق .. ونفس التصعيد .. ومن نفس الغرف الاعلامية ..

والرجاء اذا ماوجدت قطع الخاشقجي أن تبلغوني لانني عندها سأتفاجأ .. اذ انني سأعرف ان كان رفيئ الحريري قد تم نسفه من تحت الارض او من فوق الارض .. فمن يعرف اين تبخر الخاشقجي لاشك سيعرف كيف نسف الحريري .. واذا اردنا ان نعرف ماحدث في القنصلية السعودية فان علينا ان نعرف ماذا يحدث بين اميريكا وتركيا ..

اضافة تعليق