أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن سورية تنظر إلى العلاقة التركية الروسية الجديدة بإيجابية على أمل أن تتمكن روسيا من إحداث بعض التغييرات في السياسة التركية وخاصة وقف الاعتداء على الأراضي السورية ووقف دعم الإرهابيين.
وأوضح الرئيس الأسد في مقابلة مع صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” الروسية اليوم أن التوغل التركي في الأراضي السورية غزو يتعارض مع القانون الدولي والأخلاق والهدف منه صرف النظر عن القناع الذي يلبسه الأتراك وتبييض صفحتهم وتغطية نواياهم الحقيقية المتمثلة في دعم “داعش” و”النصرة” مشيراً إلى أن هدف الغزو أيضاً تغليف “داعش” بغلاف جديد كي يتمكنوا من التحدث عن قوات معتدلة جديدة أساسها في الحقيقة نفس أسس “داعش”.
وبين الرئيس الأسد أن ما شهدته سورية والمنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية أكثر من حرب باردة وأقل من حرب فعلية وجوهر هذه الحرب يتعلق بالمحاولات الأمريكية للحفاظ على الهيمنة على العالم وعدم السماح لأي كان بأن يكون شريكاً على الساحة السياسية أو الدولية.
ولفت الرئيس الأسد إلى أن روسيا تريد محاربة الإرهاب ليس من أجل سورية وروسيا وحسب بل من أجل المنطقة والعالم بأسره بينما تعتقد الولايات المتحدة دائماً أنه يمكن استخدام الإرهاب كورقة تستطيع اللعب بها ووضعها على الطاولة.
وأشار الرئيس الأسد إلى أن الحملة الغربية الإعلامية الكاذبة تسعى لتغيير شكل “جبهة النصرة” الإرهابية ووضعها تحت عنوان القبعات البيضاء وتصوير عناصرها على أنهم أشخاص جيدون.
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة…
السؤال الأول:
شكراً جزيلاً سيادة الرئيس، أنا سعيدة وفخورة جداً بلقائي بكم، سأبدأ بالسؤال، أصبح الوضع في سورية أكثر خطورة والتنبؤ بتطوراته أكثر صعوبة، لماذا؟ لأن هذا الصراع يجتذب عدداً أكبر من المشاركين واللاعبين على سبيل المثال، من يشارك الآن في الحرب في سورية؟ هناك إيران ولبنان، أعني حزب الله، وروسيا وتركيا والتحالف الكبير الذي تقوده الولايات المتحدة، كما أن الصين تبدي اهتماماً بهذه الحرب، هل تخشون أن تنجم عن هذا الصراع حرب عالمية ثالثة أم أن حرباً عالمية ثالثة قد بدأت فعلاً؟
الرئيس الأسد:
إذا أردنا التحدث عن هذه المشكلة علينا أن نتناول جوهرها ومنبعها وهو الإرهاب، وبصرف النظر عمن يتدخل في سورية الآن فإن الأمر الأكثر أهمية هو، من يدعم الإرهابيين بشكل يومي وعلى مدار الساعة، هذه هي القضية الرئيسية، إذا تمكنا من حلها فإن هذه الصورة المعقدة التي وصفتها لن تكون مشكلة كبيرة وبوسعنا حلها، إذاً الأمر لا يتعلق بعدد الدول التي تتدخل الآن بل بعدد الدول التي تدعم الإرهابيين، هذا لأن روسيا وإيران وحزب الله حلفاؤنا وأتوا إلى سورية بشكل قانوني، إنهم يدعموننا ضد الإرهابيين بينما تقوم الدول الأخرى التي تحدثتي عنها والتي تتدخل في سورية بدعم أولئك الإرهابيين، وبالتالي فإن المسألة لا تتعلق بالعدد بل بالقضية الجوهرية المتمثلة في الإرهاب.
ثانياً، وفيما يتعلق بالحرب العالمية الثالثة فإن هذا التعبير استخدم كثيراً في الآونة الأخيرة خصوصاً بعد التصعيد الأخير فيما يتعلق بالوضع في سورية، يمكن القول إن ما نشهده الآن، ما شهدناه خلال الأسابيع، وربما الأشهر القليلة الماضية، هو أكثر من حرب باردة وأقل من حرب فعلية، لا أعرف كيف أسميها، لكنها ليست شيئاً ظهر مؤخراً وحسب لأني لا أعتقد أن الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة أوقف حربه الباردة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
الصحفية:
نعم، إنها ما زالت مستمرة.
الرئيس الأسد:
وبالتالي، فإن لهذه الحالة عدة مراحل، وتمثل سورية إحدى هذه المراحل المهمة، ترين تصعيداً أكبر مما مضى، لكن القضية برمتها تتعلق بالمحافظة على الهيمنة الأمريكية على العالم وعدم السماح لأي كان بأن يكون شريكاً على الساحة السياسية أو الدولية سواء كان روسيا أو حتى أحد حلفاء أمريكا الغربيين، هذا جوهر هذه الحرب التي وصفتها بأنها حرب عالمية ثالثة، إنها حرب عالمية لكنها ليست حرباً عسكرية، جزء منها عسكري وجزء يتعلق بالإرهاب والأمن والجزء الآخر سياسي، وبالتالي ما تقولينه صحيح لكن بشكل مختلف، الأمر لا يتعلق فقط بسورية، فسورية جزء من هذه الحرب.
السؤال الثاني:
لكنك قلت، إن سورية أصبحت مسرحاً لهذه الحرب، لماذا سورية؟ أعلم أن سورية بلد كبير، لديكم نفط، لكن ليس كالسعودية، لماذا سورية بالتحديد؟
الرئيس الأسد:
إن لذلك أوجهاً عدة، الوجه الأول، إذا أردت التحدث عن الصراع الإقليمي فإن لسورية علاقة جيدة بإيران، والسعودية أرادت، لنقل، تدمير إيران بشكل كامل ربما بالمعنى السياسي وربما بالمعنى العملي ولأسباب مختلفة، وبالتالي فإنهم أرادوا من سورية أن تقف ضد إيران، ولذلك فإن تدمير سورية يمكن أن يؤثر على إيران بشكل سلبي وفق ما أعتقد، بالنسبة للغرب، فإن سورية وروسيا حليفتان منذ عقود، فإذا قوضوا موقع سورية فإن بوسعهم التأثير سلبياً على روسيا، كما أن هناك أمراً آخر يتعلق بالدور التاريخي لسورية، لقد لعبت سورية ذلك الدور في المنطقة على مدى قرون، فقد كانت دائماً محور الديناميكيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بالتالي فإن السيطرة على سورية منذ زمن الفراعنة أي قبل ميلاد المسيح كان هدفاً جيوسياسياً وقد تحارب الفراعنة والحتيون لتحقيق هذا الهدف، هذا هو الأساس التاريخي، وبالتالي فإن لسورية دوراً جيوسياسياً وكذلك بسبب موقعها على البحر المتوسط وبسبب مجتمعها حيث إن سورية تقع على خط فالق زلزالي بين مختلف الثقافات في هذه المنطقة، وكل ما يحدث في سورية سيؤثر على المنطقة سلباً وإيجاباً، لذلك فإن السيطرة على سورية مهمة جداً، رغم أن سورية بلد صغير لكنها مهمة جداً للسيطرة على باقي أنحاء المنطقة. ثانياً، سورية دولة مستقلة، والغرب لا يقبل بأي دولة مستقلة سواء كانت سورية بصفتها بلداً صغيراً، أو روسيا بصفتها قوة عظمى، ما هي مشكلتهم مع الروس؟ لأنكم تقولون، نعم وتقولون، لا ، ينبغي أن تقولوا دوماً، نعم، وبالتالي فإن هذه هي مشكلة الغرب، لهذه الأسباب تم استهداف سورية.
السؤال الثالث:
بعض وسائل الإعلام الغربية وجدت أن الحرب في سورية باتت صراعاً مباشراً بين روسيا والولايات المتحدة، هل تتفقون مع هذا الرأي؟
الرئيس الأسد:
نعم لسبب بسيط يتعلق بما قلته في البداية عن أن القضية هي الإرهاب، روسيا أرادت محاربة الإرهاب لأسباب مختلفة، ليس من أجل سورية وحسب وليس من أجل روسيا وحسب بل من أجل المنطقة بأسرها ومن أجل أوروبا والعالم بأسره، لأنهم بشكل أو بآخر يفهمون معنى أن يتفشى الإرهاب بطريقة معينة، الولايات المتحدة كانت دائماً ومنذ حرب أفغانستان في مطلع الثمانينات وحتى اليوم تعتقد أنه يمكن استخدام الإرهاب كورقة يستطيعون اللعب بها ووضعها على الطاولة.
الصحفية:
نعم
الرئيس الأسد:
ورقة يضعونها في جيبهم ويخرجونها متى شاؤوا، إذاً أنت تتحدثين عن كيانين مختلفين، أيديولوجيتين مختلفتين وسلوكين مختلفين ومقاربتين مختلفتين، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يكون هناك مثل هذا الصراع، وحتى لو كان هناك حوار فإنهما لا يتوافقان.
السؤال الرابع:
الآن لدينا لاعب جديد في هذه المنطقة، التدخل التركي، بينما لا يتحدث عن هذا التدخل أحد الآن كما لو أن شيئاً لم يحدث، ما رأيكم بالدور الذي تلعبه تركيا في هذه الحرب؟ وماذا عن تدخلها؟
الرئيس الأسد:
إذا بدأنا بالحديث عما يحصل اليوم فإنه يعد غزواً.
الصحفية:
غزو !
الرئيس الأسد:
هذا التوغل يشكل غزواً سواء كان على جزء صغير أو كبير من الأراضي السورية، إنه غزو ويتعارض مع القانون الدولي ومع الأخلاق ويشكل انتهاكاً للسيادة السورية، لكن ما الذي يريده الأتراك من هذا الغزو بصرف النظر عن القناع الذي يلبسونه لتغطية نواياهم الحقيقية، هم يريدون تبييض صفحتهم وتغطية نواياهم الحقيقية المتمثلة في دعم “داعش ” و”النصرة”.
الصحفية:
هل تعتقد أنهم لا يدعمونهما الآن؟
الرئيس الأسد:
لا، إنهم لا يزالون يدعمونهما، لكنهم أتوا للقول، “إننا نحارب “داعش” وسيكون لنا”.
الصحفية:
إنه لأمر سخيف، ما يقولونه سخيف، أعني عندما يقولون، “نحن نحارب “داعش””، هم صنعوا “داعش”.
الرئيس الأسد:
بالطبع تماماً، هم صنعوا “داعش” وهم دعموا “داعش” وهم يقدمون لهم كل الدعم اللوجستي ويسمحون لهم ببيع نفطنا من خلال حدودهم وعبر أراضيهم بمشاركة إبن أردوغان وحاشيته، جميعهم كانوا ضالعين في العلاقة مع “داعش”، العالم كله يعرف هذا، لكن، بهذا الغزو أرادوا أن يغلفوا “داعش” بغلاف جديد كي يتمكنوا من التحدث عن قوات معتدلة جديدة والتي هي في الحقيقة لها نفس أسس “داعش”، ينقلون السيطرة على منطقة ما من “داعش” إلى هذه القوات ويقولون إن “داعش” هزم في تلك المنطقة بفضل القصف التركي وبفضل القوات التركية وعملائها، إنها مجرد مسرحية يجري تمثيلها ليراها العالم بأسره، والسبب الثاني هو أنهم أرادوا تقديم الدعم للنصرة في سورية.
الصحفية:
أراد أن يدعم “النصرة”؟
الرئيس الأسد:
كما أراد، أعني أردوغان على وجه التحديد، أن يكون له دور في الحل في سورية بصرف النظر عن ماهية هذا الدور شعر بأنه معزول العام الماضي بسبب “داعش”.
الصحفية:
لكنه لا يزال يشعر بأن سورية جزء من الإمبراطورية العثمانية، بالنسبة له إنها أراضيه.
الرئيس الأسد:
تماماً، تشكل أيديولوجيته مزيجاً بين أيديولوجية الإخوان بعنفها وتطرفها والإمبراطورية العثمانية أو السلطنة.
الصحفية:
لديه طموحات، نعم.
الرئيس الأسد:
وبالتالي، فهو يعتقد أنه بهاتين الأيديولوجيتين يستطيع صنع مزيج يمكنه من السيطرة على هذه المنطقة، ولهذا السبب دعم الإخوان المسلمين في جميع البلدان بما في ذلك سورية، أنت محقة.
السؤال الخامس:
بعد إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك أوقفت روسيا علاقاتها مع تركيا، الآن وبعد اعتذاراته عدنا مجدداً ويبدو أن الصداقة قد تجددت من حيث السياحة والعلاقات الدبلوماسية وكل شيء، في الماضي وصف بوتين ما فعله أردوغان بأنه “طعنة في الظهر” عندما أسقطت الطائرة من قبل الأتراك، هل تعتقد أننا، نحن الروس، نرتكب خطأ بالوثوق بأردوغان مرة أخرى بعد خيانته؟
الرئيس الأسد:
لا، في الواقع فإني أنظر إلى هذه العلاقة بإيجابية.
الصحفية:
تنظر إليها بإيجابية؟
الرئيس الأسد:
نعم، بالتأكيد، لماذا؟
الصحفية:
لماذا؟
الرئيس الأسد:
إننا نتحدث عن طرفين، آخذين في الاعتبار أن هذين الطرفين ليست لديهما نفس الرؤيا، ولديهما مواقف مختلفة، روسيا تبني سياستها على القانون الدولي واحترام سيادة الدول الأخرى وفهم تداعيات انتشار الإرهاب في أي مكان من العالم في حين أن الطرف الآخر الطرف التركي يبني سياسته على أيديولوجية الإخوان المسلمين، إنهم لا يحترمون سيادة سورية ويقومون بدعم الإرهابيين، وبالتالي يمكنك رؤية حالة من الاستقطاب وتجدين الدولتين على طرفي نقيض بشكل كامل، بالتالي من خلال هذا التقارب بين روسيا وتركيا فإن أملنا الوحيد نحن في سورية أن تتمكن روسيا من إحداث بعض التغييرات في السياسة التركية، هذا أملنا وأنا متأكد أن هذا هو الهدف الأول للدبلوماسية الروسية حيال تركيا هذه الأيام لتتمكن من تقليص الضرر الذي حدث بسبب تجاوزات الحكومة التركية على الأراضي السورية، آمل أن يتمكنوا من إقناعهم بأن عليهم التوقف عن دعم الإرهابيين ومنع تدفقهم عبر حدودهم ووصول الأموال إليهم.
الصحفية:
لكن بالنسبة لأردوغان فإن هؤلاء الإرهابيين هم أدوات للنفوذ، لن يمنع أي شيء عن هذه الأداة لأن هؤلاء جماعته وسيحاول أن يحارب معهم وسيبدؤون بالتحارب معه، أعني أن ثمة مخاطرة كبيرة في رفضه رعاية الإرهاب، إن ذلك يشكل خطراً على سلطته.
الرئيس الأسد:
نعم ولهذا السبب لم أقل إن الروس سيغيرون سياسته بل قلت إنهم سيقلصون الضرر لأنه كشخص ينتمي إلى الأيديولوجيا العنيفة والمتطرفة للإخوان المسلمين لا يمكن أن يكون شخصاً مستقيماً إذا توخينا الصراحة والواقعية، ولهذا فإن ما تتحدثين عنه واقعي جداً وأوافقك الرأي مئة بالمئة، لكن بالمحصلة عليك المحاولة وإذا تغير واحداً بالمئة فإن هذا جيد وإذا تغير عشرة بالمئة فإن ذلك سيكون أفضل، لن يحدث تغيير كامل بالضرورة وليس لدينا مثل هذه الآمال، إننا لا نرفع كثيراً من سقف توقعاتنا وخصوصاً فيما يتعلق بشخص كأردوغان وعصبته لكن أي تغيير في هذه اللحظة سيكون جيداً وأعتقد أننا نتشارك مع المسؤولين الروس حالياً هذا الأمل من خلال هذه العلاقة وأعتقد أنه هنا تكمن حكمة تحرك الحكومة الروسية نحو الحكومة التركية ليس لأن الروس يثقون بهذه الحكومة لكنهم بحاجة لعلاقات جيدة مع الشعب وهذا صحيح تماماً.
السؤال السادس:
بالنسبة لي هذا غريب لم يقم تنظيم “داعش” بأيديولوجيته بتهديد “إسرائيل” أبداً، كما أن “إسرائيل” لم تهدد “داعش”، يبدو وكأن ثمة اتفاقاً ما ربما ليس على الصداقة بل على الحياد، لماذا تعتقد أن الأمر كذلك؟ وما هو دور “إسرائيل” في هذه الحرب؟
الرئيس الأسد:
ليس “داعش” وحسب ولا “النصرة” وحسب، كل شخص وكل إرهابي حمل بندقية وبدأ بالقتل والتدمير في سورية تلقى الدعم من “إسرائيل” سواء بشكل غير مباشر من خلال الدعم اللوجيستي على الحدود أو أحياناً من خلال تدخل مباشر من قبل “إسرائيل” ضد سورية من مختلف الميادين في سورية. لماذا؟
لأن “إسرائيل” عدونا ولأنهم يحتلون أرضنا ولأنهم ينظرون إلى سورية بوصفها عدواً، بالطبع، وبالنسبة لهم فهم يعتقدون أنهم إذا قوضوا موقع سورية وجعلوها أضعف بشكل عام كمجتمع وجيش ودولة فإن ذلك سيعطي “إسرائيل” الذريعة لعدم التحرك نحو السلام لأن ثمن السلام هو إعادة مرتفعات الجولان لسورية.
إذا بالنسبة لهم فإن سورية ستكون مشغولة بقضية جديدة ولن تكون مهتمة بالتحدث عن الجولان أو عن عملية السلام أو حتى أن تقوم بفعل أي شيء لاستعادة أراضيها، لهذا السبب تدعم “إسرائيل” كل إرهابي، ليس هناك تناقض بين “إسرائيل” وأي منظمة مثل “النصرة” أو “داعش” أو أي منظمة مرتبطة بالقاعدة.
السؤال السابع:
جيشكم فقد الكثير من الدماء، هذا واضح، لكن من جهة أخرى عندما أكون في دمشق وأرى عدداً كبيراً من الشباب في المقاهي يشربون القهوة منذ الصباح أتساءل “من هم هؤلاء الشباب ولماذا ليسوا موجودين في الجبهة”، يقولون لي إنهم طلاب، بعد هذا أرى مراكز اللياقة الجسدية مليئة بالشباب مفتولي العضلات، ماذا يفعل هؤلاء هنا؟ أرسلوهم جميعاً إلى الجبهة، أنا لا أفهم لماذا لم تقوموا بتعبئة عامة للجيش كما فعلنا نحن في الحرب الوطنية؟ بشكل عام عندما كان لدينا حرب كبيرة أرسلنا جميع الرجال إلى الجبهة.
الرئيس الأسد:
ما لدينا الآن هو ما يمكن تسميته تعبئة جزئية، لماذا جزئية أو ما معنى جزئية؟ أي أنها ليست بأعلى مستوياتها، إن أعلى مستويات التعبئة يعني مشاركة الجميع في القتال على مختلف الجبهات العسكرية وهذا يعني ألا يكون أحد في الجامعات وألا يكون هناك مدرسون في المدارس ولا موظفون يقومون بأي شيء وحتى الشاحنات والسيارات سيتم استخدامها من قبل الحكومة وكل شيء آخر سيكون جزءاً من هذه الحرب، سيكون ذلك مقبولاً لو كانت هذه الحرب ستستمر لبضعة أسابيع أو ربما بضعة أشهر فقط لكن بالنسبة لحرب مستمرة لحوالي ست سنوات الآن فإن هذا يعني شلل المجتمع وشلل الدولة ولن تتمكني من كسب الحرب إذا كان لديك مجتمع مشلول، ولذلك ينبغي أن يكون هناك توازن بين الحرب وبين الاحتياجات الأساسية للمجتمع، الجامعة والخدمات التي ينبغي تقديمها للناس لهذا السبب من الحيوي تحقيق ذلك التوازن؟ هذه هي وجهة نظرنا.
السؤال الثامن:
لكن حتى برامجكم التلفزيونية، صحيح أني لا أفهم اللغة العربية، لكنني عندما أشاهد التلفزيون يبدو لي وكأني في بلد في وقت السلم وهناك القليل مما يوحي أن هناك حرباً، وبعد ذلك هناك برامج عن الرياضة وعن الأطفال وعن المدارس، أشاهد ذلك وأفكر، يا إلهي أنا في بلد أسمع فيه عن كيفية انفجار الألغام في المدن، وهنا أرى كأن شيئاً لا يحدث، يبدو لي وكأن هذا مبالغ به، إذا أردت أن تبعث الروح الوطنية في الناس ينبغي أن تشرح لهم وأن تقول: “يا شباب نحن في حرب كبيرة”، وهذا بالتحديد ما تفعله كل البلدان، لا تعجبني هذه الصورة للحياة السلمية، هذا غير موجود هنا.
الرئيس الأسد:
وسائل إعلامنا ليست منفصلة عما يحدث، لكن مرة أخرى ينبغي تحقيق التوازن بين مدى ما يقربك من الحياة الطبيعية، ليست حياة طبيعية كاملة، ولذلك أنت بحاجة لهذا التوازن، هناك بالطبع العديد من وجهات النظر المختلفة فيما يتعلق بوسائل الإعلام لأن الإعلام يتعلق بالتصورات، وما تقولينه وما تتحدثين عنه الآن نسمعه في سورية، “كيف يفعلون هذا”؟
بالمقابل إذا توجهت أكثر من اللازم نحو الحرب يقولون: “ليس كل شيء في حالة حرب، نحن بحاجة أن نعيش حياة طبيعية”، أو “ينبغي أن نحافظ على استمرارية الحياة”، لنقل، ليس الحياة الطبيعية بل المحافظة على استمرارية الحياة، تحقيق هذا التوازن ليس سهلاً، هناك وجهات نظر مختلفة، لكن بالمحصلة فإن التحدي الرئيسي لا يتمثل بالحرب فقط بل بكيفية تمكنك من العيش بشكل يومي، إذا لم تحاولي عيش هذه الحياة فإن الإرهابيين سيهزمونك لأن هذه هي غايتهم.
الصحفية:
كنا نعيش على هذا النحو عندما حدثت الحرب الوطنية العظمى، كانت جميع المدن فارغة ولم يكن فيها إلا النساء وكان هناك بالطبع أطباء وبعض المدرسين لكن الجميع كانوا على الجبهة، أعطيك مثالاً من أسرتي، كان أبي وأشقاؤه الأربعة على الجبهة، ترك أبي المدرسة وهو في سن الثالثة عشرة، كان يذهب إلى أحد المصانع لصنع القنابل وكان ذلك طبيعياً، ما كنا لنكسب تلك الحرب لو أننا لم نرسل جميع رجالنا إلى الجبهة.
الرئيس الأسد:
نعم، لكن عندما تتحدثين عن الحرب فإن الحرب ليست عسكرية وحسب، الحرب تشمل كل شيء، الجزء الأكثر أهمية من حربنا لا يتعلق بالإرهابيين وحسب، الجزء الذي يوازي قضية الإرهابيين أهمية هو الاقتصاد، نحن نتعرض لحصار ولذلك علينا أن نفعل كل ما في وسعنا للمحافظة على دوران هذه العجلة وتقدمها إلى الأمام.
الصحفية:
أفهم ذلك.
الرئيس الأسد:
ولهذا عليك أن تركزي كل جهدك على هذه الحياة لأنه دون هذه الحياة الطبيعية لا يمكن أن يكون لديك اقتصاد، إذا جلس الجميع في منازلهم وعاشوا حياة الحرب في تلك الحالة يتوقف الإنتاج.
السؤال التاسع:
لماذا طلبت المساعدة من روسيا تقريباً في اللحظة الأكثر حرجاً؟ تقريباً عندما كان كل شيء في حالة انهيار وحتى حياتك كانت في خطر.
الرئيس الأسد:
أولاً، هناك علاقة تقليدية بين سورية وروسيا وخلال أسوأ أوقات هذه العلاقة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كانت العلاقة جيدة، لم تكن سيئة لكنها لم تكن دافئة.
الصحفية:
ولهذا السبب كان بوسعك أن تطلب المساعدة في وقت مبكر أكثر.
الرئيس الأسد:
لا، طلبنا المساعدة منذ البداية لكن التصعيد لم يكن على المستوى الذي كان عليه العام الماضي لأنه قبل ذلك كان الجيش السوري يتقدم إلى الأمام وأعداؤنا، دعينا نستخدم هذا المصطلح، عندما رأوا أننا نتقدم على الأرض بدؤوا بالتصعيد عبر استقدام المزيد من الإرهابيين من الخارج المزيد من الأجانب الذين باتوا يأتون من أكثر من مئة بلد، بالمحصلة فإن سورية بلد صغير وعدد سكانها ليس كبيراً جداً، وبالتالي كنا بحاجة لمساعدة أصدقائنا، تدخلت إيران وحزب الله، وكان تدخل روسيا كقوة عظمى حاسماً في تغيير توازن القوى على الأرض لهذا السبب كان من الطبيعي أن نطلب مساعدة روسية، كانوا قد ساعدونا من قبل ربما ليس بشكل مباشر من خلال القوى الجوية وكانوا يرسلون لنا كل شيء، كل دعم لوجيستي احتجناه لتلك الحرب، لكنهم يعيشون معنا، فالخبراء العسكريون الروس يعيشون في سورية منذ أربعة عقود، لقد رأوا على الأرض أنه خلال ذلك الوقت في عام 2014 بدأ التوازن يتغير لمصلحة الإرهابيين بدعم من الغرب ودول أخرى مثل السعودية وتركيا وقطر، وكان الروس مستعدين للتدخل بشكل مباشر، لهذا السبب دعوناهم، ولأننا نثق بهم بالطبع، إننا نثق بسياستهم فسياستهم تقوم على الأخلاق قبل المصالح، نثق بهم لأننا نعرف أنهم أرادوا أن يدعمونا لأنهم أرادوا التخلص من الإرهابيين وليس لأنهم أرادوا أن يطلبوا منا أي شيء بالمقابل فهذا ما لم يفعلوه أبداً، حتى هذه اللحظة لم يطلبوا منا أي شيء بالمقابل، كل هذه العوامل شجعتني والحكومة والمؤءسسات السورية على طلب المساعدة الروسية.
السؤال العاشر:
قبل ما يسمى الثورة أنا متأكدة أنك تلقيت عروضا من أعدائك الحاليين، نوعاً من أنواع العروض أو الصفقات، ما الذي كانوا يريدونه منك، سمعت على سبيل المثال أن قطر أرادت أن تمد أنبوبا عبر سورية، هل هذا صحيح أم لا؟ هل تلقيت عرضاً ما قبل ذلك؟
الرئيس الأسد:
العروض بدأت بعد الأزمة.
الصحفية:
حسنا.
الرئيس الأسد:
لأنهم أرادوا استخدام الأزمة، بمعنى إذا فعلت هذا فسنساعدك.
الصحفية:
لكن ما الذي أرادوه منك فعلاً؟
الرئيس الأسد:
لكن قبل الأزمة، لم يكن ما قدموه عرضاً، بل أرادوا استخدام سورية بشكل غير مباشر، لم يقدموا عرضا بل أرادوا إقناعنا بفعل شيء ما، حين ذاك كانت القضية الرئيسية في كل العالم هي الملف النووي الإيراني، وكان المطلوب من سورية إقناع إيران بالعمل ضد مصالحها حينها، فرنسا حاولت والسعودية أرادت منا أن نبتعد عن إيران دون مبرر فقط لأنهم يكرهونها.
الصحفية:
لكن ماذا عن هذا الأنبوب؟ هل صحيح أنهم أرادوا مد أنبوب غاز عبر سورية؟
الرئيس الأسد:
لا، لم يتحدثوا عن ذلك لكن كان من المفترض أن يمر أنبوب من الشرق، من إيران فالعراق فسورية إلى البحر المتوسط وأنبوب آخر من الخليج إلى أوروبا بحيث تصبح سورية بذلك هي المركز في مجال الطاقة بشكل عام، ولا أعتقد أن الغرب كان سيقبل سورية هذه، سورية التي رفضت أن تكون دمية في يد الغرب لا يسمح لها أن تحظى بهذا الامتياز أو النفوذ، وبالتالي أعتقد أن هذا أحد العوامل التي لم يتحدثوا عنها مباشرة، بعد الحرب أتى العرض مباشرة من السعودية بمعنى إذا قمت..
الصحفية:
مباشرة ممن.
الرئيس الأسد:
من السعوديين.
الصحفية:
من السعوديين؟
الرئيس الأسد:
إذا ابتعدت عن إيران وأعلنت قطع أي شكل من أشكال العلاقات مع إيران فسنساعدك، هكذا وببساطة شديدة وبشكل مباشر.
السؤال الحادي عشر:
قلت في إحدى مقابلاتك إن هذه الحرب صعبة لأن قتل الإرهابيين أمر بسيط بينما قتل أيديولوجيا أمر صعب جدا، وعندما تحدثت إلى ضباطك على الجبهة قالوا لي: “كيف يمكن أن تحاربي شخصاً لا يخشى الموت”، بالنسبة له فإن الموت يسعده لأن اثنتين وسبعين عذراء ستكون بانتظاره في الجنة، أما الناس الطبيعيون فإنهم يخشون الموت بالطبع، وبالتالي في هذه الحالة فإن المعنويات تختلف حيث كانت معنويات الإرهابيين أعلى بكثير، كيف يمكن قتل هذه الأيديولوجيا؟
الرئيس الأسد:
أنت محقة إذا تحدثت عن أولئك المقاتلين الأيديولوجيين أو الإرهابيين الذين يقاتلون جيشنا فإن الطريقة الوحيدة هي قتالهم والتخلص منهم، ما من طريقة أخرى، إنهم ليسوا مستعدين لأي حوار، ولا وقت لديك للحوار، عليك حماية مواطنيك، وبالتالي عليك قتلهم، لكن ذلك لا يكفي لأن هناك عملية إعادة توليد كألعاب الفيديو حيث يمكن إعادة توليد أي شيء تريدينه، تقتلين شخصاً، فيظهر عشرة أشخاص آخرون وبالتالي ما من نهاية لتلك القضية، الأمر الأكثر أهمية على المدى المتوسط والطويل هو محاربة هذه الأيديولوجيا من خلال أيديولوجيا مماثلة لكن معتدلة، لا يمكن محاربة التطرف في الإسلام بأي أيديولوجيا أخرى سوى الإسلام المعتدل، إذاً هذه هي الطريقة الوحيدة لكنها تستغرق وقتاً وتتطلب أجيالاً شابة، والعمل على هذه الأجيال الشابة والعمل على وسائل تجفيف الأموال التي تدفع من قبل الحكومة السعودية والمنظمات السعودية غير الحكومية والمؤسسات السعودية التي تروج للأيديولوجيا الوهابية حول العالم، لا تستطيعين القول.. “سأحارب هذه الأيديولوجيا”، وفي الوقت نفسه تسمحين لمشايخهم أو أئمتهم بالترويج لهذه الأيديولوجيا الظلامية في مدارسهم، هذا مستحيل، وهذا ما يحدث في أوروبا، تتحدثين عن أجيال، الجيل الثالث أو الرابع يعيش الآن في أوروبا، ويرسلون لنا الإرهابيين من أوروبا الآن، لم يعش هؤلاء في منطقتنا ولا يتحدثون العربية وربما لا يقرؤون القرآن، لكنهم متطرفون لأنهم سمحوا للأيديولوجيا الوهابية باختراق أوروبا.
إذاً علينا معالجة العديد من الأشياء، عليك التعامل مع وسائل الإعلام، التعامل مع وسائل الإعلام القوية الممولة ببترودولارات السعودية ودول الخليج الأخرى التي تروج لهذا التطرف، كيف تتعاملين مع ذلك؟ يتطلب ذلك العديد من الأوجه والعديد من المسارات المتوازية في الوقت نفسه، هذه هي الطريقة الوحيدة لهزيمته، لكن التعامل مع الإرهابيين يشكل الجزء الأخير وهذا هو الجزء الإجباري، لا يمكن تجنبه، لكنه لا يمثل الحل.
السؤال الثاني عشر:
نعم، لكني كنت أشعر دائماً أن ثمة شيئاً من الغموض يكتنف القتال على دمشق وأفهم لماذا يأتي العديد من المرتزقة إلى هنا، أحد أساتذة الفقه الإسلامي شرح لي أنهم يؤمنون فعلاً بمدينة دابق وبأنها ستشكل نهاية العالم، والمعركة الرئيسية بين الخير والشر، ولهذا السبب فإنهم مستعدون الآن، كنت في البوسنة على سبيل المثال وكان هناك العديد من المرتزقة الذين يعبرون البوسنة ويقولون.. “نحن ذاهبون إلى دابق”، بالنسبة لهم فإن لذلك معنى روحياً، كيف يمكن قتل هذا؟ لا أستطيع أن أتخيل ذلك.
الرئيس الأسد:
تماماً تماماً.
الصحفية:
لأن هناك حملة دعائية كبيرة على شكل: “اذهبوا إلى دابق، اذهبوا إلى سورية لأنها المكان الرئيسي الذي ستحدث فيه نهاية العالم”.
الرئيس الأسد:
باتت مكاناً مقدساً الآن للقتال.
الصحفية:
نعم باتت بمثابة مكان مقدس.
الرئيس الأسد:
بمعنى أنه إذا أردت أن تذهب إلى الجنة فعليك أن تمر بسورية ربما إذا مت في مكان آخر فلن تذهب إلى الجنة، هذا جزء من الأيديولوجيا، ولهذا السبب فإنهم …
الصحفية:
إنهم متأكدون من أنهم إذا ماتوا في سورية فإنهم سيذهبون مباشرة إلى الجنة؟
الرئيس الأسد:
هكذا يفكرون، وبعضهم يعتقد أنهم إذا قتلوا المزيد من الأبرياء فإنهم سيتناولون الإفطار في رمضان مع النبي على سبيل المثال، هذا ما يعتقدونه، يتم غسل أدمغتهم بشكل كامل ولذلك لا تستطيعين لومهم، إنهم جاهلون ومعظمهم يافعون ويتم استخدامهم.
الصحفية:
نعم، وفي بعض الأحيان يكونون أطفالاً.
الرئيس الأسد:
تماماً، لكن الأمر يتعلق بآلة تعمل منذ عقود على غسل هذه الأدمغة ونشر هذا التطرف في العالم الإسلامي وفي أوساط الجاليات المسلمة خارج العالم الإسلامي.
السؤال الثالث عشر:
هل أنت راض عن التدخل الروسي على مدى العام الماضي؟ هل حققنا شيئاً جدياً هنا؟
الرئيس الأسد:
باختصار قبل ذلك التدخل ورغم وجود ما يسمى “التحالف الأمريكي” وهو بالنسبة لي تحالف مضلل لم يفعلوا شيئاً، كانت “داعش” و”النصرة” تتمددان، أصبح لديهم عدد أكبر من المقاتلين وازداد حجم تجنيد واستقدام الإرهابيين، حصلوا على المزيد من النفط لتصديره من خلال تركيا إلخ…
بعد التدخل الروسي تقلصت مساحة المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين، وبالتالي فإن الواقع يتحدث عن نفسه، هذا هو الأثر الرئيسي وأي أثر آخر يعد هامشياً إزاءه، لقد غيروا ميزان القوى على الأرض لغير مصلحة الإرهابيين.
السؤال الرابع عشر:
فيما يتعلق بالمسألة الكردية، كنت في القامشلي وسمعت منهم أنهم يريدون تأسيس فيدرالية، قالوا: “نموذجنا المثالي للدولة هو أن نكون على نمط روسيا، في روسيا العديد من القوميات التي تشكل الاتحاد الروسي، لماذا لا يمكن لسورية أن تصبح فيدرالية”؟ وبصراحة فإن أياً من أكراد سورية لم يتحدث معي عن الانفصال أو إقامة دولة مستقلة، قالوا “نريد أن نكون في سورية لكننا نريد حكماً ذاتياً”؟ هل توافقون على ذلك أم لا؟ أقول هذا لأنهم مقاتلون جيدون ضد “داعش”.
الرئيس الأسد:
دعيني أوضح مختلف الجوانب لهذه القضية، أولاً لا نستطيع التحدث عن أن مجموعة معينة أو مجموعة كاملة في سورية تريد شيئاً، كما يتم الحديث عن الأكراد أو الأتراك أو العرب أو الشيشان أو الأرمن أو أي مجموعة أخرى لدينا، وبالتالي يمكن أن نتحدث عن جزء من الأكراد بحاجة لهذا، جزء مهم فقط منهم، أما أغلبيتهم فلا تطالب بذلك، لم يطرحوا أبداً..
الصحفية:
أنا لا أتحدث بالطبع عن الأكراد في دمشق، إنهم يعيشون هنا.
الرئيس الأسد:
نعم أعني حتى في الشمال فإن جزءاً منهم فقط يتحدث عن هذا، هذا أولاً، ثانياً، عندما تتحدثين عن الفيدرالية أو أي نظام مشابه آخر ينبغي أن يكون ذلك جزءاً من الدستور والدستور ليس ملكاً للحكومة بل يعكس إرادة الشعب السوري، فإذا كانوا بحاجة لنظام سياسي خاص في سورية فعليهم أن يقنعوا السوريين بذلك، لا فائدة من مناقشة ذلك معي حتى لو قلت: “نعم إنها فكرة جيدة ولا أمانع حدوثها” كرئيس أو كمسؤول أو كحكومة، لا أستطيع أن أمنح ذلك لهم فأنا لا أملكه، أنا لا أملك النظام السياسي في سورية، كل شيء يجب أن يكون…
الصحفية:
عبر استفتاء؟
الرئيس الأسد:
تماماً، ينبغي أن يستفتى الشعب السوري ليقول نعم أو لا، ثانياً بعض الناس يتحدثون عن فيدرالية كردية في الشمال بصرف النظر عما تحدثتُ عنه وأن معظم الأكراد لا يطالبون بذلك، لكن لو أرادوا ذلك فإن الأغلبية في تلك المنطقة هم من العرب، إذاً كيف يمكن أن يكون هناك فيدرالية كردية بينما الأغلبية هم من العرب؟
الصحفية:
لكن هل تتواصلون معهم؟
الرئيس الأسد:
نعم بالطبع، إننا نتعامل معهم ونتفاوض ونحن دائماً…
الصحفية:
تتفاوضون معهم؟
الرئيس الأسد:
بالطبع، دائماً، وقد قدمنا لهم الدعم خلال الحرب ضد “داعش”، أرسلنا لهم الأسلحة، وجيشكم يعرف جميع هذه التفاصيل.
السؤال الخامس عشر:
لكن بصراحة عندما كنت أتجول في بلادكم لم أر أي نوع من المعارضة دون أسلحة، أعني مع من يمكن أن تتحدثون؟ هل لديكم شركاء حقيقيون في المفاوضات أم أنها مهمة مستحيلة؟
الرئيس الأسد:
هذا سؤال مهم للغاية، لكن ينبغي أن تعرفي كلمة معارضة، الآن معظم العالم يستخدم كلمة معارضة هنا للتحدث عن أولئك الذين يحملون البنادق ويقتلون الناس، لا ينبغي تسمية هؤلاء معارضة، المعارضة مصطلح سياسي ولا يجوز أن يكون مصطلحاً عسكرياً.
الصحفية:
نعم، هذه هي المشكلة، لكن الجميع لديهم بنادق، مع من تتحدثون؟
الرئيس الأسد:
تماماً، إذا أردت التحدث عن المعارضة السياسية بالطبع لدينا معارضة، لدينا شخصيات ولا تحضرني الأسماء الآن، لكن لدينا شخصيات، يمكنك أن تبحثي عن الأسماء، لدينا تيارات أو حركات سياسية.
الصحفية:
أي تيارات؟ ما هي أسماء هذه؟
الرئيس الأسد:
هناك أحزاب جديدة، وبوسعنا تزويدك بأسمائها ولدينا عدد كبير، قد لا يشغلون جميعهم مقاعد في البرلمان على سبيل المثال لكن خلال الأزمة وحتى قبلها كان هناك عدد كبير، يمكننا إعطاؤك قائمة بهم جميعاً، هناك أحزاب جديدة أعلنت عن نفسها أحزاباً معارضةً مؤخراً، ومرة أخرى بوسعنا إعطاؤك قائمة بها جميعا، لكن السؤال هنا إذا أردنا التفاوض وتلك هي النقطة المحورية في سؤالك، المسألة لا تتعلق بالأطراف التي سأتفاوض معها بل بمن يتمتع بالنفوذ والتأثير، بمن يستطيع أن يغير الوضع على الأرض، إذا كنت سأجلس مع كل هذه المعارضات سواء كانت داخل أو خارج سورية، سواء كانت معارضات وطنية أو معارضة مرتبطة بدول أخرى، وليس بالشعب السوري دعينا نفترض أننا جلسنا معهم وأننا اتفقنا على أي شيء وقلنا، “إن ما اتفقنا عليه جيد لمستقبل سورية”، السؤال هو، من الذي سيؤثر بالإرهابيين على الأرض؟ جميعنا يعرف أن أغلبية أولئك الإرهابيين ينتمون إلى مجموعات مرتبطة بالقاعدة، “داعش” و”النصرة” و”أحرار الشام” ومنظمات أخرى، إنها لا تنتمي لأي حركة سياسية، إنهم لا يكترثون لأي أيديولوجيا سوى أيديولوجيتهم الأيديولوجيا الوهابية، وبالتالي حتى لو تفاوضنا مع المعارضة السياسية، فإننا لا نستطيع تغيير الوضع، إذاً، هذا هو الجزء الأهم من المشكلة، وبالتالي فأنت محقة، مع من سأتعامل؟
الصحفية:
نعم مع من؟
الرئيس الأسد:
الأمر الأكثر أهمية هو من يغير الوضع معي؟ كحكومة لدينا وسائلنا، يمكننا التغيير، نحن نحارب الإرهابيين، ماذا بوسع تلك المعارضات أن تفعل؟ هذا هو السؤال وأنا لا أستطيع الإجابة عنه، عليهم هم أن يجيبوا. عليهم أن يقولوا نستطيع فعل هذا وفعل هذا.
السؤال السادس عشر:
جميع وسائل الإعلام الغربية تستقي المعلومات حول الوضع في سورية من هذه المنظمة الغريبة المسماة “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، لكنني فهمت أن هذا المرصد يتكون من مجموعة من شخص واحد.
الرئيس الأسد:
شخص واحد يعيش في لندن.
الصحفية:
لا أفهم هذا، صدمت عندما عرفت، أعني كيف يمكنهم استخدام هذا كمصدر للمعلومات؟
الرئيس الأسد:
نعم لأن هذا ما يريده الغرب، هم لا يبحثون فعلياً عن أي شيء، إنهم بحاجة لشخص يروج أي معلومات تناسب أجندتهم، وهم يروجون له على أنه حقيقي كحقيقة واقعة، وكما تعرفين فإن معظم الناس في الغرب تعرضوا لغسل دماغ فيما يتعلق بما يحدث في سورية، وهذا ما حصل بالنسبة لموضوع أوكرانيا، أعني أن الحال هو نفسه فيما يتعلق بروسيا حاولوا ونجحوا بغسل دماغ الرأي العام لديهم حول هذه القضية، وهذه إحدى الأدوات، إذاً، هي ليست الأداة الوحيدة بل لديهم العديد من الأدوات المشابهة مثل القبعات البيضاء مؤخراً.
الصحفية:
ماذا من هؤلاء؟
الرئيس الأسد:
في الواقع إنهم يعملون مع “جبهة النصرة” في المنطقة التي تسيطر عليها، كيف يمكن العمل في نفس المنطقة ما لم تكن تحت سيطرة “النصرة”؟ الأمر الأكثر أهمية هو أن العديد من أفرادهم وهناك مقاطع فيديو وصور لهم يحتفلون بموت جنود الجيش السوري، كانوا يحتفلون على أجسادهم.
الصحفية:
قبل وقت ليس بالطويل، تعني عندما قصفت أمريكا الجيش السوري، هل تعني هذه الحالة؟
الرئيس الأسد:
لا، لا بل في مناطق مختلفة في حلب.
الصحفية:
في مناطق مختلفة؟
الرئيس الأسد:
في حلب كان هناك معارك وصوروا أنفسهم على جثث الجنود السوريين كانوا من القبعات البيضاء مع “النصرة” وبالتالي فإن هذا يمثل محاولة لتغيير شكل “النصرة” ووضعها تحت عنوان القبعات البيضاء وتصويرهم على أنهم أشخاص جيدون ويضحون بحياتهم لمساعدة الآخرين ومساعدة الأطفال وعلى أساس أن هذه الصورة العاطفية ستؤثر في الرأي العام في الغرب.
الصحفية:
وأنتم لا تعرفون حتى من أين أتت هذه الصور؟
الرئيس الأسد:
عذراً؟
الصحفية:
من أين أتت هذه الصور؟
الرئيس الأسد:
لا، إنهم لا يتحققون من شيء، فهذا غير مهم بالنسبة لهم، الآن يمكنك العثور على أي شيء على الإنترنت لكن لا يمكنك التحقق من أي شيء على الشبكة، إنك تشاهدين وتنتابك مشاعر عاطفية لأن الصورة في سورية ينبغي أن تكون بالأبيض والأسود، الأشخاص الخيرون ضد الجيش السيئ أو الرئيس السيئ أو الحكومة السيئة أو المسؤولين السيئين، هذه هي الصورة الوحيدة التي أرادوا الحصول عليها لإقناع رأيهم العام بوجوب الاستمرار في الضغط وأنهم يدعمون الشعب السوري الطيب ضد حكومته السيئة وما إلى ذلك، تعرفين هذه الحملة الدعائية.
السؤال السابع عشر:
لكن ما الذي سيعطيكم إياه تحرير حلب من منظور استراتيجي؟
الرئيس الأسد:
نحن نسمي حلب توأم دمشق، لعدد من الأسباب، إنها ثاني أكبر مدينة في سورية، دمشق هي العاصمة السياسية، في حين أن حلب هي في الواقع العاصمة الاقتصادية في سورية.
الصحفية:
لكن لم يعد هناك صناعة الآن، لقد كنت هناك وكل شيء منهار؟
الرئيس الأسد:
تماماً، معظم المعامل في حلب لا تعمل، لقد سرقت وأخذت إلى تركيا.
الصحفية:
لكن إذا استعدتم حلب فما الذي يتغير في الحرب؟
الرئيس الأسد:
لأنها ثاني…
الصحفية:
المدينة الثانية، لكن يمكنكم عزل “النصرة” عن…
الرئيس الأسد:
أولاً وقبل كل شيء فإن ذلك يشكل مكسباً سياسياً، على المستوى الاستراتيجي، مكسباً سياسياً ومكسباً وطنياً ثم من المنظور الاستراتيجي والعسكري فإن ذلك لا يعزل “النصرة” بل إن حلب كمدينة كبيرة ستشكل منطلقاً للتحرك إلى مناطق أخرى وتحريرها من الإرهابيين، هنا تكمن أهمية حلب الآن.
الصحفية:
حسناً، إنها عملية تحرير، لكن ما هي خطوتكم التالية؟ كيف ستقطعون هذه الصلة بين تركيا وإدلب؟ لأن هذا هو المصدر الرئيسي الممر الرئيسي للمال والجنود وكل شيء؟
الرئيس الأسد:
لا يمكن قطع تلك الصلة لأن إدلب محاذية لتركيا، إنها تماماً على الحدود السورية التركية، وبالتالي لا يمكن فصل تلك المنطقة بل ينبغي تنظيفها، ينبغي أن نستمر في تنظيف هذه المنطقة ودفع الإرهابيين إلى تركيا كي يعودوا من حيث أتوا أو قتلهم، ليس هناك خيار آخر، لكن حلب ستشكل منطلقاً مهماً جداً للقيام بهذا التحرك.
السؤال الثامن عشر:
ما هو العدد التقريبي للمرتزقة الأجانب الذين عبروا الى بلادكم خلال السنوات الخمس الماضية؟
الرئيس الأسد:
لا يستطيع أحد عدهم، لأنه ليس لدينا حدود منتظمة الآن، إنهم لا يعبرون الحدود بشكل نظامي بالطبع، لكن التقديرات التي نشرها أحد مراكز الأبحاث الألمانية قبل بضعة أسابيع تتحدث عن مئات آلاف الإرهابيين.
الصحفية:
مئات الآلاف؟
الرئيس الأسد:
مئات الآلاف، تتحدث عن أكثر من 300 ألف، وهو ما لا أعرف إذا كان؟
الصحفية:
أكثر من 300 ألف؟
الرئيس الأسد:
نعم، لا أعلم إذا كان الرقم دقيقا أم لا، صحيحاً أم خاطئا، حتى لو تحدثت عن مئات الآلاف أو حتى إذا تحدثت عن مئة ألف فإن ذلك يشكل جيشاً كاملاً.
الصحفية:
إنه جيش، جيش كامل.
الرئيس الأسد:
تماماً، ولهذا السبب تستمرين بالتخلص منهم لكن لا يزال هناك استقدام للمزيد من الخارج، إذا أنت تتحدثين عن مئات الآلاف يأتون من مختلف مناطق العالم وهذا واقعي جداً لأنه هناك مئات آلاف الإرهابيين في سائر أنحاء العالم يعتنقون نفس الأيديولوجيا وهي الأيديولوجيا الوهابية، هذا واقعي جداً، وليس من قبيل المبالغة.
السؤال التاسع عشر:
تحدثت إلى المعارضة في إسطنبول عام 2012 إلى شباب قالوا لي “نريد حقوق الإنسان”، كانوا أشخاصاً علمانيين طبيعيين دون لحى وكانوا بالمناسبة يشربون البيرة في رمضان، لكن خلال بضع سنوات أصبحوا متعصبين، هذا غريب بالنسبة لي فقد كانوا علمانيين تماماً، ثم، من هم قادة “داعش”؟ إنهم عقداء ورواد سابقون في جيش صدام حسين، إنهم أشخاص علمانيون أيضاً، كيف أصبح هؤلاء جيشاً من المتعصبين؟ لا أفهم؟
الرئيس الأسد:
جزء من هذا له علاقة بما حدث في العراق بعد الغزو عام 2003 حيث بات الجيش الأمريكي أو الأمريكيون بشكل عام يسيطرون على كل شيء في العراق، بما في ذلك السجون وكان زعيم “داعش” ومعظم حاشيته في السجن نفسه، إذاً تأسس تنظيم “داعش” في العراق تحت الإشراف الأمريكي.
الصحفية:
ربما لم يكن “داعش” في تلك الفترة، بل القاعدة؟
الرئيس الأسد:
نعم، كان اسمها الدولة الإسلامية في العراق.
الصحفية:
الدولة الإسلامية؟
الرئيس الأسد:
لأنها لم تكن موجودة في سورية حينذاك، لهذا السبب سميت الدولة الإسلامية في العراق، كان ذلك عام “2006”.
الصحفية:
“2006”؟
الرئيس الأسد:
“2006” بالطبع.
الصحفية:
كان هناك أصلاً الدولة الإسلامية عام 2006.
الرئيس الأسد:
بالطبع، في عام 2006 بالطبع قبل انسحاب الأمريكيين، لهذا السبب لعبوا دوراً مباشراً أو غير مباشر في تأسيس “داعش”، الآن عندما يأتي الأمر إلى سورية، عندما تتحدثين عن بداية المشكلة، قبل أن يتحدث أحد عن “النصرة” أو “داعش” كانوا يسمونها “الجيش الحر” كقوة علمانية تحارب الحكومة والجيش، في الواقع ومنذ البداية إذا عدت إلى الانترنت فستجدين مقاطع الفيديو والصور، وكل شيء، بدأ قطع الرؤوس منذ الأسابيع الأولى، إذا ومنذ البداية كانت حركة متطرفة لكنهم سموها “الجيش الحر”، لكن عندما أصبحت أكبر وأكبر ولم يعد بالإمكان إخفاء عمليات قطع الرؤوس كان عليهم أن يعترفوا بوجود “النصرة”، لكنها في الواقع هي نفسها، “النصرة” هي نفسها “الجيش السوري الحر” وهي نفسها “داعش”، إنها نفس القواعد تنتقل من منطقة إلى أخرى لأسباب مختلفة، أحد هذه الأسباب هي الأيديولوجيا والسبب الآخر هو الخوف لأنهم إذا لم ينتقلوا من مكان إلى مكان قد يتعرضون للقتل، السبب الثالث هو المال، كانت “داعش” تدفع أعلى الرواتب في وقت معين، قبل عام أو عامين، وقبل ذلك، كان عدد كبير من أفراد “النصرة” و”الجيش السوري الحر” قد انضم إلى “داعش” من أجل المال، وبالتالي هناك عدد من العوامل المختلفة لكن العامل الأساسي …
الصحفية:
لكن التعصب…
الرئيس الأسد:
لكن نفس الأساس المتطرف هو الذي يشكل العامل المشترك بين جميع هذه الأسماء والمنظمات المختلفة.
السؤال العشرون:
هل لي أن أطرح عليك سؤالاً شخصياً؟
الرئيس الأسد:
نعم بالطبع.
الصحفية:
في عام 2013 عندما كانت حياتك في خطر كبير عندما كانت أمريكا على وشك القيام بقصف سورية لماذا لم ترسل أسرتك إلى مكان آمن؟
الرئيس الأسد:
كيف يمكن أن تقنعي السوريين بالبقاء في بلادهم بينما تطلبين من أسرتك مغادرة البلد، لا تستطيعين ذلك، ينبغي أن تكوني الأولى، بكل المعاني، فيما يتعلق بالعنوان الوطني، ينبغي أن يكون المرء هو الأول كرئيس، وفيما يتعلق بأسرته وبكل من يحيط به في الحكومة وبموظفيه، لا يمكن أن تقنعي الناس في بلدك بأنك تستطيعين الدفاع عن بلدك بينما لا تثقين بجيشك في الدفاع عن أسرتك.
الصحفية:
أفهم ذلك.
الرئيس الأسد:
لهذا السبب فإن ما فعلته كان طبيعيا، في الواقع لم نفكر أبداً بهذا.
الصحفية:
شكراً جزيلاً لك على هذه المقابلة.
الرئيس الأسد:
شكراً لقدومكم إلى سورية.