حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

العلاقة بين المستويين العسكري والسياسي في إسرائيل


تتكون المنظومة العسكري الإسرائيلية، من سبع مؤسسات عاملة، أبرزها وزارة الجيش، والجيش الإسرائيلي، والأجهزة الاستخباراتية كالموساد والشاباك، ولا يوجد لتلك المؤسسات مرجعية واحدة، بل تنقسم المسؤولية عنها، ما بين وزارة الجيش، وبين مؤسسة رئاسة الوزراء.

من الناحية الرسمية، فإنّ توزيع الصلاحيات ما بين المؤسستين العسكرية والسياسية في "إسرائيل"، يعتريه بغض الغموض، لكن وفق نصوص القوانين، فإنّ المؤسسة العسكرية تخضع بالكامل للمسؤولية السياسية، ورئيس الوزراء يُعتبر الشخص الأقوى في اتخاذ القرار الأمني.

فقدان المستوى السياسي في كثير من الأحيان للخبرة الأمنية، ساهم إلى وجود سيطرة للقيادات العسكرية في اتخاذ بعض القرارات الأمنية أو رفضها، وربما مخالفة التوجهات العسكرية في بعض العمليات العسكرية، وخلال بعض الحروب التي خاضتها الدولة العبرية.

كثيرة هي العيوب التي تعتري طبيعة العلاقة بين المؤسستين، فإلى جانب عدم وضوح القانون، تظهر عيوب عدم وجود استراتيجية واضحة، وعدم وضوح أهداف المستوى السياسي، والفجوة الكبيرة بين ما يطلبه المستوى العسكري، وما يقوم به العسكر على الأرض.

اقتراحات ترتيب العلاقة، تشمل إعادة صياغة قوانين توضح مسؤولية كل طرف، إلى جانب تأهيل القيادات السياسية ببعض الخبرة العسكرية، من خلال تعيين مستشار عسكري خاص لكلّ منهما.

مقدمة

العلاقات بين المستويين المدني والعسكري، في الدولة العبرية كانت منذ قيام الدولة، محط نقاش دائم، وفي السنوات الأخيرة تحديداً، تضاعف حجم النقاش الجماهيري العام، حيال هذه العلاقة، ويزداد هذا النقاش، كلما تم تحويل المسائل الأمنية إلى أمر مقدس، يُمنع المساس به، أو الاعتراض على مخرجاته، ومخصصاته.

في الدولة العبرية، والتي إلى الآن تفتقد لوجود دستور ينظم حياتها، تتداخل فيها العلاقات ما بين المستويات المختلفة في الدولة، خاصة فيما يتعلق بملف الأمن القومي، والذي تُشرف عليه المؤسستان العسكرية والسياسية، في آن معاّ، تداخل لم يخلو في كثير من الأحيان، من وجود خلافات وتداخل في الصلاحيات، وتراشق على العلن، حيال صاحب القرار، في قضايا مختلفة.

يناقش هذا البحث، طبيعة العلاقة ما بين المستويين السياسي والعسكري في "إسرائيل"، وهل في ظل وجود التحديات الأمنية المتنوعة التي تواجه الكيان، صورة تلك العلاقة واضحة، ويحاول البحث الوقوف على دور الجيش الإسرائيلي في اتخاذ القرار، وهل الدور الذي يؤديه يعتبر كافياً، ولمن تميل الكفة في اتخاذ القرار.

والأهم من ذلك، يحاول الاجابة عن تساؤل، هل العلاقة بين المستويين واضحة، تحديداً في السنوات الأخيرة، في ظل غياب القيادة العسكرية عن تصدر المشهد السياسي، كما كان الحال مع بدايات الدولة، والتي شهدت رؤساء وزراء من خلفية عسكرية، كمناحم بيجن واسحاق رابين وغيرهما.

المنظومة العسكرية في "إسرائيل"

النظام السياسي في "إسرائيل"، هو نظام برلماني، يفرز حكومة بيدها صلاحيات إدارة البلاد، فيما للرئيس فيها، موقع سياسي تكميلي، لا يمتلك سوى صلاحيات رمزية، فيما المنظومة الأمنية هو اسم يُطلق على مجموعة من الهيكليات التي تعمل لحفظ الأمن في الدولة، من المخاطر الداخلية والخارجية، وتتوزع خريطة المنظومة الأمنية في إسرائيل على سبعة مكونات أساسية:

وزارة الجيش.

هي الجسم الحكومي المسؤول عن أمن "إسرائيل"، ويرأسه وزير الجيش في الحكومة، ويخضع لمسؤوليات وزارة الجيش، الجيش "الإسرائيلي"، وقسم الصناعات العسكرية، ويقع على عاتق الوزارة كذلك الاهتمام بالمعاقين من الجنود وعائلات الجنود القتلى، وهي الوزارة صاحبة الحصة الأكبر من ميزانية الدولة (ايبن، 2015)، ويعتبر وزير الجيش الشخصية الثانية[1] من حيث الأهمية في الحكومة "الإسرائيلية"، وله ولوزارته أربع مهام رئيسة:

الرقابة والتمثيل، حيث يعتبر وزير الجيش، المسؤول عن الجيش ورقابته من قبل الجهات التنفيذية، وممثلا للجيش أمام الحكومة، إلى أن ادارة الجيش تبقى بيد رئيس هيئة الأركان.

على المستوى الاستراتيجي، اتخاذ قرارات تتعلق بالمواضيع الامنية القومية.

على المستوى الاداري، اتخاذ قرارات في توزيع الميزانية العسكرية، واتخاذ القرارات المتعلقة بالتعيينات في الجيش.

اتخاذ قرارات تتعلق في مسألة بناء القوة العسكرية آلية تفعيلها..

الجيش "الاسرائيلي".

الجيش "الإسرائيلي" هو المؤسسة الأهم في المنظومة الأمنية، وتعتقد "إسرائيل" أن جيشها هو الأقوى في الشرق الأوسط (أخبار الثانية، 2010)، وواحد من أقوى الجيوش في العالم (Bender, 2014)، ويقع على رأس مؤسسة الجيش، هيئة الأركان والذي يرأسها رئيس هيئة الأركان " الرمتكال"، ويعتبر وزير الجيش هو المرجعية لهيئة الأركان ورئيسها، ولرئيس هيئة الأركان نائباً وكذلك أربع قيادات أخرى تتوزع عليها قيادة الجيش، للتشاور واتخاذ القرارات.

مؤسسة المخابرات والمهام الخاصة ( الموساد ).

يعتبر الموساد "الإسرائيلي" هو الجسم الأساسي في مجموعة المخابرات الإسرائيلية التي تعمل خارج الحدود الإسرائيلية بوظيفتي التجسس والاغتيال، وجمع المعلومات الخارجية والتحذير من الحرب، ويتبع الموساد مباشرة إلى رئيس الوزراء "الإسرائيلي" (شمرون، 1996). وينقسم الموساد إلى قسمين، القسم الاداري والذي يشمل الادارة ورئاسة الموساد، ووحد التخطيط والموارد البشرية والدعم اللوجستي (ملمن، 2005)، ويضم الموساد ثمانية وحدات تنفيذية، أبرزها تيبل وتسومت (ملمان و ربيب، 2012).

خدمة الامن العام ( الشاباك ).

الشاباك "الاسرائيلي" -مصلحة الأمن العام-، تأسس في العام 1949، وكان تابعاً في البداية للجيش "الاسرائيلي"، إلى أنه في العام 1950 أصبح جسماً مستقلاً يتبع مباشرة لمسؤولية رئيس الوزراء، وللشاباك العديد من الأهداف، أبرزها، القضاء على التجسس الخارجي الذي يعمل لصالح أعداء "اسرائيل"، تأمين الأمن الشخصي للشخصيات الهامة في الدولة، القضاء على "الارهاب الداخلي"، تأمين المناطق الحيوية في "اسرائيل"، وتحديد طريقة التأمين المناسبة للوظائف والمهام (ملمان و ربيب، 2012)، ويعمل الشاباك "الإسرائيلي" ضمن تقسيمات مناطقية، ويعتبر القطاع العربي أكبر القطاعات في عمل الشاباك (ميلمان، 2004)، بهدف كشف ومنع الأعمال العدائية من قبل العرب ضد اسرائيل.

وزارة الأمن الداخلي.

هي وزارة حكومية، يعود اليها المسؤولية عن الأمن الداخلي في "اسرائيل"، وتُشرف على الشرطة الاسرائيلية، ومصلحة السجون، والدفاع المدني، ويقف على رأس الوزارة وزير الأمن الداخلي "الإسرائيلي" ويعتبر من المناصب الهامة في الدولة، حيث تخضع لسلطة الوزير مباشرة الشرطة، ومصلحة السجون "الاسرائيلية"، ولوزارة الأمن الداخلي العديد من المهام أبرزها:

أولاً: منح مواطنة واقامة، اصدار تصاريح الدخول والبقاء في اسرائيل، ادارة الترتيبات السكانية من اصدار شهادات ميلاد وهويات، وشهادات زواج وغيرها.
ثانياً: التخطيط والرقابة على اماكن ومشاريع البناء في اسرائيل، ورقابة السلطات المحلية، والاشراف على الدفاع المدني (الول، 2009).

الشرطة "الاسرائيلية".

الشرطة "الإسرائيلية" هي القسم المسؤول عن حفظ الأمن الداخلي في الدولة، وتتبع بشكل مباشر لوزير الأمن الداخلي في الحكومة "الإسرائيلية"، والتي تقوم بتعيين القائد العام للشرطة (الشرطة الاسرائيلية، 2016).

مصلحة السجون العامة.

مصلحة السجون "الإسرائيلية" (شاباس)، هي الشبكة المسؤولة عن كل ما يتعلق بالسجن، وتدير تحت قيادتها 33 سجناً في مناطق مختلفة، ويقع مقر القيادة العامة لمصلحة السجون في منطقة أيلون قرب الرملة، ويديرها "النتسيب" مدير مصلحة السجون (مصلحة السجون، 2016).

نظرياً، طبيعة العلاقة بين المستويين العسكري والسياسي.

العلاقة ما بين المستويين السياسي والعسكري، هي جزء من العلاقات ما بين المستوى الجماهيري المدني، والمستوى العسكري، وكما هو متّبع في الدول الدمقراطية، فإنّ المستوى العسكري يخضع لسلطة ورقابة المستوى المدني، الذي من شأنه اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بالدولة، بطبيعة الحال، بالتشاور مع المستوى العسكري لوضع الاستراتيجيات الأنسب.

بشكل عام هناك العديد من النظريات التي تُحدد طبيعة العلاقة ما بين المستويين العسكري والسياسي، في أي دولة، تُعتبر من الدول الدمقراطية.

نظرية المسؤولية المشتركة، هي نظرية تنص على ضرورة التمييز بين الصلاحية القانونية التشريعية، الممنوحة للمستوى السياسي، لتصل العلاقة لحدود التقاسم المتفق عليه بين الجانبين، والتعاون من أجل صياغة استراتيجية الأمن القومي بالشراكة بين الجانبين، وهذا ما فضله اللواء السابق في الجيش الإسرائيلي، والذي طالب أن تكون هذه طبيعة العلاقة ما بين المستويين في "إسرائيل" (هكوهين، 2014).

نظرية التنسيق، وهي نظرية تقتضي أن يكون هناك، تنسيق كامل بين المستويات، الثلاث في المجتمع، السياسي، الأمني وكذلك المجتمعي (ميخال و ايبن، 2016)، للوصول إلى الوضع الأقرب للمثالية، في العلاقات الداخلية بين المستويات المختلفة، وهو الأمر الذي يتطلب ثقافة مجتمعية موّسعة، للقدرة على التأثير في كلا المستويين السياسي والعسكري.

نظرية الشراكة موجهة الهدف، وهي نظرية تنص على أن يكون هناك تواصل مستمر بين الجانبين، يشمل حوار باتجاهين، الأول هو اتجاه تعليمي، بحيث يدرك كلا الجانبين، حاجاتهما وكذلك اهدافهما، والجانب الآخر، جانب تشاوري للوصول إلى الخطط الأنسب، والاستراتيجيات الأفضل للعمل (ميخال و ايبن، 2016).

علاقة المستويين العسكري والسياسي في إسرائيل، ما بين النظرية والتطبيق.

وفق قانون الجيش والذي تمّ سنه في العام 1976، فقد تم التأكيد وبشكل واضح على تبعية المستوى الأمني للمستوى السياسي (ارز، 2006)، وحتى ما قبل سن القانون فقد كان هذا واضحاً، من خلال ما رسخه، أول رئيس وزراء للدولة العبرية، والذي أكد أنّ الجيش لا يُحدد سياسات، وإنّما يخضع مباشرة للمستوى السياسي.

ووفق التقسيمة الهيكلية، والمسؤولية الإدارية، فإنّ الجيش الإسرائيلي، الذي يرأسه رئيس هيئة الأركان، يتبع مباشرة لوزير الجيش في الحكومة الإسرائيلية (راييش، 2007)، بحيث يكون وزير الجيش هو ممثل الجهة العسكرية في الحكومة، والمسؤول المدني عن الجيش، وقد جرت العادة في "إسرائيل" غالباً، أن يكون وزير الجيش من خلفية عسكرية، إلّا في حالات نادرة كما شهدت السنوات الأخيرة، بوجود افيجدور ليبرمان وعمير بيرتس على رأس وزارة الحرب.

ومن حيث توزيع المسؤوليات، فإنّ مهمّة المستوى السياسي، هي تحديد الأهداف العامة التي يجب الوصول إليها، وعلى الجيش الوصول لتلك الأهداف من خلال صياغة استراتيجية وتكتيك، للوصول لتلك الأهداف، حيث وفق القانون، رئيس هيئة الأركان "الرامتكال"، هو القائد الوحيد للمعركة (ايبين، 2015)، والذي يجب عليه ادارتها بالتنسيق والتشاور مع قيادة الجيش.

إلّا أنّ فقدان المستوى السياسي، في الكثير من الحالات للخبرة العسكرية، يدفعه للاستعانة بالمستوى العسكري، بمعنى أنّ المستوى السياسي، الذي من صلاحيته اتخاذ القرار، وإعطاء أوامره للجيش، أوامر تكون في الغالب مبنية على الخيارات التي يضعها المستوى العسكري أمام المستوى السياسي (يحزكيلي، 2011)، بمعنى أنّ المستوى العسكري شريك في القرار، دون أن يكون ذلك واضحاً في القانون، الذي يؤكد سيادة المستوى السياسي، في اتخاذ القرار الأمني.

لذلك من الناحية النظرية، فإنّ العلاقة ما بين المستويين، تجعل من المستوى العسكري خاضع بشكل تام للمستوى السياسي، تحت خط عريض يجعل من المستوى العسكري منفذ للسياسات الحكومية (هكوهين ي.، 2014)، وفق ما تقتضيه الحاجات السياسية، وتسمح به القدرات العسكرية، والتي يحددها رئيس المنظومة العسكرية، والذي هو جزء من الحكومة المدنية، وليس شرطاً أن يكون من خلفية عسكرية.

إلّا أنّ طبيعة العلاقة بين الجانبين تطبيقياً وعملياً على الأرض، قد تختلف باختلاف الحالة أو الظرف المُعاش، والذي يتطلب اتخاذ قرارات مصيرية، قد تؤدي في بعض الأحيان إلى وجود سيطرة للرأي العسكري على حساب التوجه السياسي، كالذي حدث قبل حرب حزيران 1967، وبعد تردد القيادة السياسية، قام أحد الضباط وهددها بالاستقالة في حالة عدم بداية الحرب (ارشيف الدولة، 2017)، الأمر الذي دفع القيادة المرتبكة حينها، لقبول هذا التوجه الذي خالف الرأي العام السياسي في ذلك الوقت (ارشيف الدولة، 2017).

لكن هذا لا يُخفي الحقيقة الأهم، أنّ رئيس الوزراء هو الشخصية الأهم في اتخاذ القرار العسكري، وحتى بغض النظر عن امتلاكه خلفية عسكرية، أم لا، فإنّه يمتلك حرية عمل واسعة، وسيطرة كبيرة، احياناً بمساعدة مستشارين غير رسميين، لتحديد السياسة العامة، والتي أدت في أحيان كثيرة، وفق الكثير من الباحثين، إلى اضرار كبيرة على الأمن العام، بسبب تمسكه بتوجهاته الشخصية، وافكاره التي يتبناها (فدهستور، 2012).

العيوب التي تعتري طبيعة العلاقة بين المستويين في "إسرائيل".

كثيرة هي العيوب التي تعتري العلاقة ما بين المستويين السياسي والعسكري في "إسرائيل"، ويكاد هناك شبه اجماع إسرائيلي داخلي، على أنّ عيوب كثيرة تعتري طبيعة العلاقة ما بين المستويين العسكري والسياسي في "إسرائيل"، الأمر الذي ينعكس بطبيعة الحال على اتخاذ القرار، وعلى النتائج في كثير من الأحيان.

حيث وفق الباحثين الإسرائيليين، ووفق العديد من لجان التحقيق التي عُقدت في "إسرائيل"، لبحث بعض الإخفاقات العسكرية، اتضح أنّ "إسرائيل" تُعاني من عدم وجود وضوح في صلاحيات كلٍّ من المستوى السياسي والعسكري في اتخاذ القرار (ميخال و ايبن، 2016)، حيث وفق القانون بشكل عملي، لا يوجد تعريف لطبيعة المسؤولية السياسية على المستوى العسكري.

حيث بالنظر للقانون، فإنّ مسؤولية الجيش، تعود للحكومة، بمعنى أنّ رئيس هيئة الأركان يتبع لوزير الجيش، وكذلك للحكومة، وعليه أن يتلقى التعليمات من كلا الطرفين، لكن على الأرض، ومن خلال التطبيق، فإنّ رئيس هيئة الأركان يتلقى تعليماته من وزير الجيش، وغير مطلع على ما يحدث في أروقة الحكم، الأمر الذي قد يوّلد توجه مخالف للحكومة (ميخال و ايبن، 2016)، يسلُكُه، كلٍّ من وزير الجيش ورئيس هيئة اركانه.

أمر آخر، فإنّ هناك فجوة كبيرة، بين الأهداف السياسية، وبين ما يقوم به الجيش على الأرض، حيث خلال الحرب، أو العمليات العسكرية، يتحول وزير الجيش، ورئيس الوزراء الى قيادات عسكرية منفصلة عن الحكومة، قد تذهب أبعد من الأهداف المحددة لها أو أقل من ذلك، في ظل وجود فجوة واضحة من التواصل، بين المستوى السياسي والعسكري، بسبب فقدان جسم واضح، يربط بين كلا الجانبين (يعلون، 2011).

حيث بالنظر إلى ما قام به ارئيل شارون، وزير الجيش الإسرائيلي خلال اجتياح لبنان عام 1982، من اعطاءه أوامر لقائد الجبهة الشمالية بالاقتراب من القوّات السورية، خلافاً للتوجه السياسي العام الذي حذّر من ذلك (ارليخ، 2006)، يوّضح أنّ الحرب تشهد وجود جسمين مختلفين، سياسي وعسكري، للجانب العسكري فيه عملياً، نفوذ وسيطرة، تًساهم بشكل كبير، إلى تعقيد صورة صلاحيات كل مؤسسة من المؤسستين السياسية والعسكرية.

إلى جانب ذلك، فإنّ تمتع رئيس هيئة الأركان بقوّة كبيرة، وشعبية واسعة، تدفعه احياناً لتجاهل المطالب والتوجهات السياسية، فعلى سبيل المثال، تجاهل رئيس هيئة اركان الجيش الإسرائيلي، شاؤول موفاز، خلال بداية الانتفاضة الثانية، مطالب المستوى السياسي، بإخلاء مناطق في الخليل مُصنفة على أنّها مناطق "أ" (ميخال و ايبن، 2016) أي تتبع للسلطة الفلسطينية، ورغم تجاهل موفاز لتلك المطالب، لم تكن هناك ردود فعل، تُشير إلى استنكار هذا السلوك، من موفاز الذي أصبح وزيرا للجيش فيما بعد.

والأهم من ذلك، هو عيب العلاقة الذي يتمحور، حول عدم وجود تعليمات واضحة من القيادات السياسية للعسكرية (يدلين، 2013)، ويرتبط ذلك في كثير من الأحيان بفقدان الخبرة العسكرية للقيادة السياسية، وقد تجلّى ذلك بوضوح في تقرير مراقب الدولة عن الحرب الأخيرة على غزة، والذي كشف عدم وجود تعليمات واضحة من القيادة السياسية للجيش (مراقب الدولة، 2017)، الأمر الذي أثار حرباً داخل المجلس الوزاري المصغر، بتبادل اتهامات وصلت الى حدود، تحميل رئيس الوزراء ووزير جيشه، مسؤولية عدم اطلاع المجلس على سير المعركة، واتهامات أخرى بالتضليل، واتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من قبل أعضاء حكومته، بالعمل لصالح حزبه وسياسته خلال الحرب، وعدم الجرأة على اتخاذ القرار، وتهرب من تنفيذ السياسات المتفق عليها (بلومنتال، 2017).

إلى جانب ذلك، فقد باتت تشهد السنوات الأخيرة، ظهور الخلاف بين المستويين بشكل علني أمام الجمهور، الأمر الذي انعكس على الثقة بهما، ويُحال ذلك في كثير من الأحيان، إلى رفض الجيش للتوجه السياسي، كونه أكثر خبرة في الجال الأمني، ويُمكن فهم ذلك، من خلال رفض الجيش اعداد خطة لمهاجمة المفاعل النووي الإيراني في العام 2010، حيث اعتبر جابي اشكنازي رئيس هيئة الأركان أنّ ذلك من الممكن أن يؤدي إلى حرب (ميخال و ايبن، 2016)، هذا الموقف أثار عاصفة داخلية، دفعت وزير الجيش آنذاك ايهود باراك، إلى التأكيد بشدة على أنّ دور الجيش اعداد الخطة والتنفيذ، وليس تحديد السياسات.

اقتراحات ترتيب العلاقة من جديد.

من أجل التغلّب على العيوب التي تعتري طبيعة العلاقة بين الطرفين، تم تقديم العديد من الاقتراحات، والتي تُقر بضرورة إيجاد حلول تحول من إمكانية الوقوع في أخطاء استراتيجية، قد تؤدي إلى المساس بالأمن القومي.

من بين تلك الاقتراحات هو تفعيل مجلس الأمن القومي، بحيث يكون هذا الجسم الموجود، فعّال عملياً، من خلال القيام بدوره، بصياغة استراتيجية أمنية واضحة، وتكون الجسر الرابط بين المستويين العسكري والسياسي (فدهستور، 2012)، ويستطيع أن يجسر الخلافات التي تسبق في الغالب كل عملية عسكرية، كون المجلس، الذي يتبع لرئاسة الوزراء، خارج نطاق المؤسستين من الناحية العملية، وستكون موازناته أمنية وسياسية، تعمل للصالح العام، وتُشتت المصالح الشخصية أو الحزبية في اتخاذ القرار.

إلى جانب ذلك، فقد تم تقديم اقتراح، يقضي باعتبار رئيس هيئة الأركان المسؤول الأول عن المستوى العسكري، تخضع له كافة القيادات العسكرية بشكل مباشر، دون إمكانية الالتفاف من قبل القيادة السياسية (ميخال و ايبن، 2016)، والتواصل مع تلك القيادات بمعزل عنه، الأمر الذي يخلق نوع من وجود تشتيت، وتشويش في الاشراف على سير العمليات وفي اتخاذ القرار.

وفي ظل الإقرار، أنّ أعضاء المجلس الوزاري المصغر، يعانون من نقص في الخبرة الأمنية، فقد تقدم بعضهم بمقترح قانون، يقضي بضرورة تعيين مستشار عسكري لكلٍّ عضو في المجلس المسؤول عن إدارة الحرب، إلى جانب إلزام كل عضو، بدراسة المواضيع الأمنية المقدمة بنوع من التفصيل (ازولاي، 2017)، وقد ظهر هذا المقترح، بفعل اثبات تقارير مراقب الدولة، فقدان غالبية أعضاء المجلس، الخبرة الأمنية، خاصة أنّ غالبيتهم ليسوا من خلفيات عسكرية، بمن في ذلك وزير الجيش الحالي، افيجدور ليبرمان.

والأهم من ذلك، هو الطرح المُقدم، والذي يطالب بضرورة تحديد صلاحيات كلّ طرف بكل واضح ووفق القانون، وعدم ترك بعض الجوانب فيه، تحتمل الكثير من التفسيرات (ميخال و ايبن، 2016)، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان، إلى تصادم ونزاع صلاحيات، وسيطرة طرف على حساب الآخر، بناءً على قوّته الكاريزمية وشعبيته في الشارع، الأمر الذي يؤثر في سير اتخاذ القرار، وسير العملية العسكرية، بناءً على توجهات ضيقة، إمّا لرئيس الوزراء، أو قيادات عسكرية ذات ثقل كبير، كما تم التطرق اليه في بعض الأمثلة أعلاه.

خاتمة:

"إسرائيل" من الدول التي تعيش ظروف أمنية معقدة، حيث وبعد سبعة قرون على تأسيسها لا زالت تُعاني مت وجد مخاطر أمنية، من الطبيعي أن تلاحقها في ظل الحقيقة التي تتبناها الأغلبية على أنّ دولة الاحتلال هذه، كيان غريب، قائم على الاستيطان في المنطقة.


مع بداية التأسيس ارتبطت قوّة الدولة بوجود شخصيات كاريزمية من العيار الثقيل كديفيد بن جوريون، الأمر الذي جعل الكثير من القرارات والصلاحيات مرتبطة بالشخص وليس القانون، وهذا ما يُفسر عدم وجود قوانين واضحة رتبت العلاقة بين المؤسستين العسكرية والأمنية.

والأهم من ذلك، أنّ الكثير من رؤساء الوزراء في "إسرائيل"، خاصة مع بداية تأسيس الدولة، كانت بالأصل قيادات عسكرية، وسبق لها أن شغلت منصب القائد الأعلى للجيش، الأمر الذي كان يُعطي اريحية في التعامل ما بين المؤسستين.

العقد الأخير وتحديداً الحكومات الأخيرة، باتت تشهد غياب الشخصيات العسكرية عن رئاسة الوزراء، وربما وزارة الجيش كما هو الوضع الحالي، في ظل اعتبار بعض الأحزاب أنّ تكليف أحد أعضاءها بشغل منصب وزارة الجيش، يُساهم برفع أسهم الحزب، الأمر الذي ساهم بوجود نوع من الفجوة، ونزاع صلاحيات، وتضارب في كثير من الأحيان بين المستويين، الأمر الذي دفع الكثير من المراكز البحثية، والتقارير الصادرة عن مراقب الدولة، للمطالبة بضرورة ترتيب العلاقة بين المؤسستين بوضوح.

المؤسستان العسكرية والأمنية في "إسرائيل"، تُعانيان في الفترة الأخيرة من وجود نقد ممنهج، مبني على الإخفاقات الكثيرة التي باتت

 

 تعتري كليهما، وربما الغموض في طبيعة الصلاحيات، يجعل من الأمر مريح من جانب القاء كلٍّ منهما المسؤولية على عاتق الجانب الآخر، وإن كان حجم تحميل المسؤولية للمستوى السياسي أكبر، فإنّ الأخير مرتاح لطبيعة العلاقة حالياً، ولن يقوم بالتغيير، الذي قد يفقده حرية واسعة من العمل، في تحديد هيكلية الجيش وطبيعة عمله.

المصدر : المركز الفلسطيني للإعلام

اضافة تعليق