حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

سوريا: دور الحرية الدينية في بناء السلام

كان لافتاً تصريح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي اعتبر أن الرئيس السوري بشّار الأسد قد فاز في الحرب الدائرة منذ سبع سنوات، ولكن ذلك لن يحقّق السلام في سوريا، ولفت إلى أن السلام مستحيل من دون تسوية يضمنها الوسطاء الدوليون.

 

نعم، قد يكون السلام، بالمعنى السلبي، أي غياب العنف ليس كافياً لدولة مثل سوريا، خارجة من سنوات سبع من الحرب والدمار والتشظّي الاجتماعي، بل إن السوريين بحاجة ماسّة لإحلال مفهوم السلام بمعناه الإيجابي، أي المصالحة المجتمعية، والقيام بإجراءات تمنع تكرّر العنف وتمكين المجتمع والسير به نحو حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى تقوية المؤسّسات السياسية والاقتصادية والقانونية لمنع اندلاع النزاع مُجدّداً، والأهم في الحال السورية، وبعد سنوات عجاف من مشاهد التكفير والذبح، هو تكريس الحرية الدينية.

 

ما الذي يمكن أن تحقّقه الحرية الدينية في المجتمع السوري؟

 

 

أولاً- المساهمة في النمو الاقتصادي

لقد أظهرت الدراسات المختلفة أن تزايد مستوى العنف في العالم، وزيادة الاضطرابات الاجتماعية في القرن الـ21، يعود بشكل رئيسي إلى أسباب اقتصادية اجتماعية، بالإضافة إلى التضييق على الحريات ومنها الحرية الدينية حيث بات الدين اليوم مصدراً من مصادر النزاعات وسبباَ لتفاقم جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية.

إن جو الحرية العام يساهم في خلق مناخ إيجابي للاستثمار في البلد والعكس صحيح، كما إن تفضيلات التاجر والمستهلك الذي يفضّل أن يقوم بالمبادلات التجارية مع الشخص الذي ينتمي إلى نفس الدين أو المذهب، قد تؤثّر سلباً على الاقتصاد والتبادلات الاقتصادية الداخلية وهو ما يرتدّ سلباً على الإنفاق الكلّي للمجتمع وتنمية المناطق. وقد أثبتت إحصاءات صندوق النقد الدولي، أن المؤشّرات تفيد عن علاقة طردية بين النمو الاقتصادي واحترام الحرية الدينية في العالم.

 

 

ثانياً- التخفيف من غلواء التطرّف الديني

تشكّل الحرية الدينية عاملاً مخففاً لغلواء التطرّف الديني، فالسماح للمُتدينين بالتعبير عن أفكارهم في المجتمع والتصرّف بحريةٍ بشكلٍ يمنع استغلال شعورهم بالتهميش والضغط والقمع، ما يُسهم في التخفيف من غلواء التطرّف والنزعة لاستعمال وسائل عنفيّة للتعبير عن أنفسهم في المجتمع.

 

 

ثالثاً- المساهمة في عمليات العدالة الانتقالية

إن انتشار أفكار الحرية الدينية والسياسية وتمكين المرأة واحترام الخصوصيات الثقافية، واستخدامها كأساسٍ للتعليم وبناء المجتمع، ستُسهم إسهاماً عملياً في عمليات العدالة الإنتقالية التي تحتاجها سوريا كبلدٍ خارجٍ من إرثٍ من الصراع الذي اتّخذ الدين أحد وجوهه العميقة والنافِرة.

وتفيد دراسة بعنوان God's century أن 30 حالة من مجموع 78 دولة شهدت تحوّلاً ديمقراطياً في العالم، كان للقادة الروحيين دور أساسي وفاعِل في بناء السلام. وجدت تلك الدراسة أنه في 8 من بين 19 قضية مدروسة، ساهم القادة الروحيون الواعون إلى أهمية بناء السلام، والمؤمنون بحرية الإيمان والعقيدة، في عملية بناء السلام من خلال المساهمة في تعامل مجتمعاتهم مع إرث الماضي من الانتهاكات، حيث قاموا بتشجيع المواطنين على المُسامحة والغفران، وعلى تأسيس لجان المُصالحة والحقيقة، والتعويضات وغيرها.

ولعلّ الأشهَر في هذا المجال، هو المطران إدموند توتو الذي قاد لجنة المُصالحة والحقيقة في جنوب أفريقيا، وكان نجاحها سبباً لشهرة لجان الحقيقة حول العالم. وبدرجةٍ أقل من الشهرة، ولكن بشكلٍ لا يقلّ عنها أهمية، كانت تجربة غواتيملا حيث قاد المطران جيراردي الكنيسة لتأسيس لجنة مُصالحة وطنية، ساهمت إلى حدٍ بعيدٍ في تخفيف المُعاناة الإنسانية وساعدت الضحايا نفسياً وروحياً.

 

إذاً، قد يكون في تصريح الوزير الفرنسي نوع من الإقرار بأن ما أسماه "الوسطاء الدوليون"، لن يقبلوا بالإقرار بالهزيمة وإن الدول الكبرى لن تسلّم بالهزيمة بسهولة، ولن تسمح بإحلال سلام مُتكامل في سوريا من دون أن تكون هي الضامن للحل السياسي الذي يحقّق لها مصالحها.

وعليه، يجب على السوريين أن يأخذوا المبادرة بأنفسهم. إذ ليس من الصعب أبداً على سوريا أن تدخل مرحلة بناء السلام المجتمعي بعد أن تنتهي العمليات العسكرية وتعود الأراضي السورية كافة إلى حُضن الدولة.

الأهم، أن تنطلق مُقاربات ما بعد الحرب، من حلول تركّز على النتائج outcome-oriented ، إلى حلول تركّز على العلاقات في المجتمع relationship-oriented فتعتمد مبدأ "تحويل الصراع" إلى سلام إيجابي مُستدام، عبر التركيز على أولوية تحقيق التنمية وخلق ثقافة تُتيح مشاركة المجتمع المدني، للوصول إلى حلول سلمية وترميم العلاقات الإجتماعية، وتحويل جذور الصراع لعدم تكراره مُجدّداً .

الميادين

اضافة تعليق