حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

بعد البغدادي: كيف سيُبعث تنظيم "داعش"

كتب كلّ من كاثرين باور، ماثيو ليفيت، وآرون ي. زيلين مقالاً عنوانه «بعد البغدادي: كيف سيُبعث تنظيم "داعش"» نشره معهد واشنطن بتاريخ 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019، يتحدثون فيه عن مقتل أبو بكر البغدادي والذي يُعد إنجازاً مهماً في طريق مكافحة الإرهاب، إلا أن ذلك لن يفضي إلى هزيمة التنظيم.

تعرض تنظيم "داعش" لضربة قاضية بوفاة زعيمه أبو بكر البغدادي في محافظة إدلب. وفي اليوم التالي، 27 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل أبو الحسن المهاجر، الناطق الرسمي باسم "داعش". وبعد شن القوات الخاصة الأمريكية هجوماً في شمال غرب سورية بالقرب من الحدود التركية، أُفيد بأن البغدادي فجّر نفسه بسترة ناسفة، ما أدى إلى مقتله مع العديد من الأطفال. بعد ذلك، قُتل المهاجر عندما تعرضت ناقلة النفط التي كان يجري تهريبها عبر شمال سورية لغارة جوية.

 

البديل المحتمل للبغدادي هو نائبه، أبو عبد الله الحسني (حاجي عبد الله). يشاع أنه من سلالة قريش، وهذا من شأنه توفير الغطاء الديني كخليفة جديد محتمل. كانت هناك شائعات بأن عبد الله قردش، وهو ضابط عراقي سابق، سيخلف البغدادي. ومع ذلك، فإن "داعش" لم يصدر بياناً بذلك. أياً كان الزعيم الجديد، فإنه سيرث قيادة عملياتية محلية فاعلة في العراق وسورية وفي جميع أنحاء العالم، حيث لا تزال بعض المناطق تتبع للتنظيم. لا يزال "داعش" يتمتع بكفاية التمويل، الذي، إلى جانب استمرار أيديولوجيته الراديكالية، يجعله تهديداً إرهابياً مستمراً. علاوة على ذلك، فإن انسحاب معظم القوات الأمريكية من سورية، وفرار سجناء "داعش" من معسكرات الاعتقال، والمشكلة الملحة المتمثلة في التعامل مع سجناء "داعش" الذين ما زالوا محتجزين في معسكرات مثل الهول، كلها أمور توفر للجماعة الجهادية فرصاً للظهور من جديد.

 

تهديد "داعش" المستمر

رغم مزاعم ترامب بأن "داعش" قد هُزِم، فإن أنشطته على الأرض في العراق وسورية، وكذلك على الصعيد العالمي، تشير إلى عكس ذلك. منذ أن فقد التنظيم الباغوز –معقله الأخير– في أواخر آذار/مارس 2019، قام بتنفيذ المئات من العمليات في العراق وسورية. كما أنشأ "داعش" ولاية جديدة تسمى "ولاية وسط أفريقيا" في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، ما يدل على استمراره في أماكن جديدة.

 

وإلى جانب عملياته الفعلية، يحاول التنظيم تهريب أتباعه من السجون في شمال شرق سورية، بناءً على إملاءات البغدادي، الذي دعا إلى ذلك بأي وسيلة في خطاب ألقاه منتصف أيلول/سبتمبر 2019. وتشمل تلك المواقع معسكر الهول الذي يضم 68.000 امرأة وطفل، بما في ذلك 11.000 شخص من الأجانب، بعضهم عناصر متطرفة لاتزال موالية لقضية "داعش". يخدم المؤمنون الحقيقيون في (شرطة الأخلاق "الحسبة")، ويديرون محاكم سرية أدت إلى وفاة العديد من النساء والأطفال الذين ينتهكون قواعد "داعش". إذا كان التنظيم قادراً على إخراج أتباعه من السجون ومخيمات المشردين، فلن يقوم بتجديد مقاتليه فحسب، بل سيساعد أيضاً في إعادة بناء مشروع "الخلافة" الذي يتضمن تعزيز جيل المستقبل من الأطفال كجهاديين.

 

التمويل بالمدخرات

رغم فقدان أراضي "الخلافة" ومصادر الدخل المربحة، لايزال "داعش" يتمتع بموارد جيدة. وفقاً لفريق مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة لـ "داعش" والقاعدة، لدى التنظيم احتياطيات تتراوح بين 50 مليون دولار و300 مليون دولار من فترة الخلافة. وبحسب ما ورد تم استثمار بعض هذه الأموال في أعمال مشروعة مدرة للدخل في العراق والبلدان المجاورة. أموالٌ أخرى قد تكون مدفونة تحت الأرض. ورغم أن التنظيم واجه تحديات السيولة مؤخراً وربما استكشاف وسائل جديدة لجمع الأموال، كان "داعش" حتى وقت قريب قادراً على تمويل الخلايا النائمة وغيرها من العمليات في أراضيه الرئيسة السابقة –العراق وسورية– وكذلك إرسال أموال متواضعة إلى فروعه في باقي المناطق. ومع ذلك، فإن معظم ما تسمى بـ "ولايات داعش" تتمتع بالاكتفاء الذاتي إلى حد كبير، إذ قامت بجمع الأموال محلياً عبر الابتزاز، والخطف للحصول على فدية (KFR).

والآن، بعد أن فقد التنظيم أراضيه، قد يلجأ إلى الابتزاز كوسيلة لجمع الأموال، من خلال الاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار وفرض ضريبة على حركة النفط. وقد يقوم بإحياء أشكال أخرى لجمع التبرعات مثل الخطف للحصول على فدية. ومع ذلك، استمر في كسب الأموال من الاتجار بالسكان المحليين.

 

من المحتمل أيضاً أن يتم تمويل الخلايا المحلية لـ "داعش" بشكل كاف، ويرجع ذلك جزئياً إلى طلب التنظيم بأن تكون الخلايا مكتفية ذاتياً. وتحقيقاً لهذه الغاية، تم توفير التمويل الأساس مع توقع قيام الخلايا بإنشاء مؤسسات مدرة للدخل أو الاعتماد على الأموال الشخصية.

 

الصدى الأيديولوجي المستمر

في آذار/مارس 2019، وفي تسجيل صوتي أطلقه "داعش" على التلغرام بعد إطلاق النار على مسجد في نيوزيلندا، قال المهاجر: "مشاهد القتل في المسجدين يجب أن توقظ الغافلين، وأن تحرض أنصار الخلافة على الثأر لدينهم". وأثناء الضغط على باقي مقاتلي التنظيم في سورية لمواصلة القتال، دعا أيضاً "جنود الخلافة" في "ولايات التنظيم" إلى الاستمرار في "الاستعداد للحرب والاجتهاد بشأنها".

 

قام البغدادي بنفسه بتشكيلات مماثلة في شريط الفيديو الخاص به في نيسان/أبريل 2019، داعياً إلى استمرار القتال في سورية، مشيداً بالهجمات التي ألهمها "داعش" في سريلانكا والسعودية والحث على عمليات إضافية في الخارج. ورغم موت هؤلاء القادة، فإن مثل هذه الرسائل سيستمر صداها بين أعضاء التنظيم وأتباعه والمجندين المحتملين الذين يتم جذبهم إليه.

 

حتى مع قيام "داعش" بالتخطيط لهجمات في الغرب، لايزال التهديد الإرهابي الذي يمثله التنظيم في الدول الغربية يؤثر على المتطرفين المحليين –أي مواطني الدول الغربية وسكانها. في أيار/مايو، قال مدير جهاز الأمن الداخلي البريطاني، MI5، إن 80% من الهجمات الإرهابية الفاشلة في الغرب تشمل أفراداً من "داعش".

 

في الواقع، على المدى القصير، فإن موت البغدادي قد يدفع قيادات "داعش" المتبقية، أو على الأرجح، مقاتلي "داعش" أو المتطرفين العنيفين المحليين، إلى محاولة تنفيذ هجمات للانتقام لموته وإثبات استمرار التنظيم.

 

استنتاج

في أعقاب الغارة على البغدادي، هناك عامل آخر يستحق الاهتمام وهو احتمال وقوع هجمات شديدة الخطورة مدفوعة بـ "المظالم المتصوّرة المتعلقة بإجراءات الحكومة الأمريكية"، وفقاً لما قاله مدير الاستخبارات الوطنية دان كوتس. لكنه حذر أيضاً من أن تنظيم "داعش" قد طور "تمرداً قوياً في العراق وسورية كجزء من استراتيجية طويلة الأجل" لتمكين تجدد "الخلافة". في الوقت نفسه، توقع مدير الاستخبارات الوطنية أن "داعش سيستمر في إعطاء الأولوية للهجمات عبر الوطنية". وبينما تقلصت تدفقات تمويله إلى حد كبير منذ هزيمته الإقليمية، يحتاج التنظيم إلى أموال أقل بكثير لتنفيذ هجمات إرهابية مقارنة بالأموال التي كان يريدها لإدارة دولته المزعومة.

 

على عكس وفاة أسامة بن لادن، الذي حدث في منطقة كانت فيها "القاعدة" بقيادة أجانب، فإن قيادات "داعش" هي إما عراقية أو سورية. كان تنظيم "داعش" أكثر اندماجاً محلياً في العراق وسورية من "القاعدة" في أفغانستان وباكستان، ما يشير إلى أن التنظيم قد يكون أكثر مرونة ولديه خزان أكبر للتجنيد وقادة في المستقبل أكثر مما لدى "القاعدة" بعد أن ضعفت قيادته الأصلية في أفغانستان وباكستان.

مداد مركز دمشق للدراسات والأبحاث

اضافة تعليق