حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

ذي أتلانتك: في الشرق الأوسط ترامب هو نقيض أوباما أم أنه أوباما 2؟

قام وزير الخارجية الأمريكي مارك بومبيو في خطابه بالقاهرة بالتعبير عن وجود اختلاف تام بين الرئيسين. لكنهما غير مختلفين كما يبدو.

أعلن مايك بومبيو خلال زيارته التي قام بها يوم الخميس الماضي إلى «مركز العالم العربي وقلبه النابض» أن التقارير التي تحدثت عن رحيل أمريكا عن الشرق الأوسط في ظل قيادة ترامب مبالغ فيها إلى حد كبير، وأن باراك أوباما هو من تخلى عنها مؤديًا بذلك إلى تأثيرات مدمرة.

لكن المفارقة هي أنه في حين أن سلوك ترامب في الشرق الأوسط يختلف عن سلوك أوباما اختلافًا جذريًا إلا أن الأمر قد انتهى بهما وهما يشاركان في نفس المعاناة: محاولة انتزاع الولايات المتحدة من مستنقع الشرق الأوسط.

اتهم وزير الخارجية الأمريكية أوباما –الذي سعى منذ 10 أعوام في القاهرة إلى تحقيق «بداية جديدة» بين الولايات المتحدة والمسلمين الذين يزيد عددهم على مليار نسمة- بالتقليل بشكل فادح من الفكر الإسلامي الراديكالي وتجاهل المخاطر التي يمثلها النظام الإيراني عن عمد وأنه حول عن طريق الخطأ الولايات المتحدة إلى «قوة تدعم أسباب معاناة الشرق الأوسط». وأضاف في خطابه الذي ألقاه في الجامعة الأمريكية بالقاهرة أن ذلك قد أضر بالملايين من الأشخاص في جميع أنحاء المنطقة والعالم؛ حيث قامت داعش «بالاغتصاب والنهب والقتل» وقامت إيران «بنشر نفوذها السرطاني» وقامت الحكومة السورية «بإطلاق العنان للإرهاب» عن طريق قتل شعبها بالغاز، وكل هذا قابله الجانب الأمريكي بالخجل.

وأضاف بومبيو: «لقد تعلمنا أنه عندما تتراجع أمريكا فغالبًا ما يتبع ذلك فوضى»، وهذا تزامنًا مع قرار رئيسه المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا. لكنه أشار إلى أنه بالقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق وبالخروج من الاتفاق النووي الإيراني وبالانتقام مرتين ضد استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية فإن إدارة ترامب تعيد التأكيد على «الدور التقليدي للولايات المتحدة باعتبارها قوة داعمة للخير» في المنطقة.

لكن ما يثير الدهشة أن المراقبين على جانبي طيف السياسة الخارجية الأمريكية رأوا أوجه تشابه وجهات نظر أوباما وترامب فيما يتعلق بالحدود الصارمة لبذل الدماء والثروة الأمريكية في الشرق الأوسط. وكما أخبر مستشار أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط فيليب جوردون فإن ترامب بطريقة ما لا يمثل «نقيضًا لأوباما» وإنما هو «تكرار لأوباما». وبالمثل وصف مارك دوبويتز من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وأحد مؤيدي السياسات المتشددة لإدارة ترامب تجاه إيران وصف ترامب بأنه «أوباما 2» في رغبته بالانسحاب عسكريًا من الشرق الأوسط رغم أنه استثنى من ذلك آراء ترامب حول إيران.

أوصل بومبيو رسالة طمأنينة إلى إسرائيل والشركاء العرب للولايات المتحدة في وضع السيطرة على الأضرار خلال جولته في تسع دول من دول الشرق الأوسط. رغم أنه منذ بضعة أسابيع أزعج رئيسه هؤلاء الحلفاء بالإعلان عن خطط إخراج القوات الأمريكية من سوريا وترك الدول الأخرى تتخلص من بقايا داعش هناك مشيرًا إلى أن الإيرانيين يمكنهم «فعل ما يريدون» في البلاد وأنه قد حان الوقت لكي تنهي الولايات المتحدة «حروبها التي لا نهاية لها» ولكي «نعود إلى الوطن لنعيد بناءه». ومنذ ذلك الحين لم يقدم بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون معلومات بخصوص الجدول الزمني والظروف الخاصة لمغادرة القوات الأمريكية لسوريا على افتراض أن الرئيس لديه طريقة.

وفي دلالة أخرى على أن الرئيس غير منشغل إطلاقًا بتأكيد «الدور التقليدي» للولايات المتحدة في الشرق الأوسط فإنه لا يوجد سفير أمريكي في أكثر من نصف البلدان التي يزورها بومبيو خلال جولته هذه بما في ذلك مصر.

ولا تزال هناك مؤشرات أخرى: فبينما كان بومبيو يتحدث؛ توجه الرئيس إلى تكساس باعتبار ذلك جزءًا من محاولاته لإغلاق الحدود الجنوبية من خلال إيقاف الحكومة. وفي الوقت الذي كان فيه بعض المسؤولين في وزارة الخارجية مسافرين لمساعدة بومبيو في رحلته يعملون بدون أجر كان ترامب يصرح بأنه يستطيع تمويل الجدار الفاصل بجزء بسيط مما تنفقه الولايات المتحدة على الحرب في أفغانستان (في إشارة منه إلى أن الانسحاب الأمريكي العسكري الكبير التالي قد يتم قريبًا).

تبنى ترامب فكرة أنه «يمكننا بناء جدار حول الولايات المتحدة ويمكننا بذلك أن نتخلص من كافة التهديدات سواءً كانت تأتي على شكل مهاجرين أو تأتي على شكل إرهابيين» حسب ما قاله دوبويتز. وفي الوقت ذاته يقول وزير خارجيته لحلفاء الشرق الأوسط أن «الولايات المتحدة لا تتراجع خلف الجدران، لكننا في الواقع سنصبح أكثر مشاركة بشكل عميق في المنطقة وفي العالم».

لقد كان خطاب أوباما في القاهرة عام 2009 طموحًا للغاية، حيث كان محاولة لتضميد الجراح العميقة التي خلفتها حرب جورج دبليو بوش في العراق. لقد أعرب الرئيس الأمريكي الجديد وقتها في قاعة مكتظة بالحضور وفي خطاب تخللته جولات من التصفيق وصيحات «نحبك» أعرب عن تصميمه على سحب الجنود الأمريكيين من العراق أولًا ثم من أفغانستان، وحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والدخول في مفاوضات نووية وربما إقامة علاقات أكثر إيجابية مع إيران، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية في المنطقة. لقد كانت رؤية واسعة غير قائمة على السلاح لدور الولايات المتحدة ووجودها في الشرق الأوسط.

ثم جاء الربيع العربي وتبعاته السيئة والتي قادت أوباما إلى إسقاط ديكتاتور في ليبيا وإعادة نشر القوات الأمريكية لمحاربة داعش والتصارع حول ما إذا كان سيسمح بتدخل عسكري مباشر في سوريا أم لا. (ورفض في النهاية أن يفعل ذلك). لقد أبرم أوباما اتفاقًا نوويًا مع إيران، لكنه لم ينجح في التخلص من الوجود العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان بشكل دائم أو إحراز تقدم كبير في السلام الإسرائيلي الفلسطيني أو تحسين صورة الولايات المتحدة أمام الرأي العام في العالم الإسلامي.

عندما سألت جوردون –كبير مستشاري أوباما في الشرق الأوسط من عام 2013 إلى عام 2015- كيف أثر خطاب أوباما في القاهرة في صياغة السياسة الأمريكية بحلول الوقت الذي وصل فيه جوردون إلى البيت الأبيض أجاب: «ليس بشكل كبير في الحقيقة»، وأضاف جوردون أن عبارات أوباما «عبرت عن تطلعات أوباما حول المنطقة وعن رغباته. لكنني أعتقد أنه سيكون أول من يعترف بأنه لم يتمكن من تحقيق تلك «البداية الجديدة».

في نهاية فترته الرئاسية كان أوباما قد أصيب بخيبة أمل عميقة من الشرق الأوسط. وقد وصف المنطقة بحزن لجيفري جولدبيرج من مجلة ذي أتلانتيك بأنها استنزاف لحياة الأمريكيين ولقوة أمريكا وتركيزها على أجزاء أخرى من العالم (مثل آسيا) أكثر حيوية للمصالح أمريكية، وأن التحالفات فيها ضخمة التكلفة وأنها تعج بالقبلية الخطيرة والصراعات المعقدة والمستعصية.

وأكد جوردون أن الحديث عن فك الارتباط بين أوباما والشرق الأوسط مبالغ فيه. إلا أن أوباما كان بالفعل عازمًا على تقليل التكاليف الواقعة على الولايات المتحدة والتزاماتها في المنطقة وعلى عدم «السقوط في براثن الشرق الأوسط». أما ما فاجأ جوردن بشأن انتخابات عام 2016 هو أن البندول السياسي لم يتحرك إلى الاتجاه المعاكس كما يحدث عادة عندما يسيطر اتجاه ما على البيت الأبيض، وبدلًا من ذلك تحرك البندول أكثر نحو فك الارتباط مع المنطقة.

أشار فيصل عيتاني -الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة المجلس الأطلسي- إلى وجود اختلاف جذري بين الرئيسين، وهو ما أكد عليه بومبيو أيضًا في القاهرة: عودة ترامب إلى المفهوم التقليدي لحلفاء الولايات المتحدة وخصومها الإقليميين في أعقاب جهود أوباما –وإن كانت محدودة- لتغيير تلك الديناميات.

وأشار عيتاني إلى أن أوباما ومستشاريه كانوا في بعض الأحيان ينتقدون شركاءهم من العرب السنة مثل المملكة العربية السعودية ولم يرغبوا في تقديم دعم شامل لهم في صراعهم مع إيران الشيعية. وعلى النقيض من ذلك تعهد بومبيو في مصر بعبارات حاسمة وواضحة المعنى «بالشراكة مع أصدقائنا ومعارضة أعدائنا بكل قوة»، مشيرًا إلى أن إدارة ترامب قد «عززت تفاهمًا مشتركًا مع حلفائنا حول ضرورة التصدي للنظام الإيراني وأجندته الثورية».

قال دوبويتز: «أعتقد أنه إذا سألت الخليجيين والإسرائيليين اليوم ربما يخبرونك أنهم يفضلون صديقًا فوضويًا (قاصدًا ترامب) على عدو/صديق بارد ومنهجي» مثل أوباما.

وأضاف دوبويتز أنه تبين له من مناقشاته مع المسؤولين خلال رحلة إلى الشرق الأوسط في ديسمبر (كانون الأول) أنهم ينظرون إلى أوباما وترامب باعتبارهما جزءًا من «مسار» ناشئ عن «إجماع بين الحزبين على أنه يفترض بالولايات المتحدة الخروج من الشرق الأوسط» نتيجةً للإرهاق من الحروب في الولايات المتحدة وتزايد حدة المنافسة مع القوى العظمى. (هو يعزو خطوات الدول العربية السُنية الجادة –وإن كانت صغيرة- للتقارب مع إسرائيل إلى إدراك تلك الدول أن إسرائيل وجيشها القوي لن يرحلا كما قد تفعل الولايات المتحدة وتخرج من المنطقة).

أن القادة العرب يفهمون أنه «قد لا يمكنهم الاعتماد على الولايات المتحدة في المضي قدمًا». «إنهم قادرون على قراءة استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع القومي بقدر قدرتنا على ذلك. فهم يشعرون أنها تتعلق بالصين والصين ولا شيء غير الصين».

أما بالنسبة لترامب فالأمر قد يكون: الجدار فالجدار ثم الجدار وربما الصين بعد ذلك. لقد قال ترامب قبل وصول بومبيو إلى الشرق الأوسط بفترة قصيرة: «لا أريد البقاء في سوريا إلى الأبد. لا شيء هناك سوى الرمال والموات» بينما كان يتباهى بكيفية فتكه بداعش وأنه أصبح بإمكانه الآن ترك إيران وسوريا ينهيان المعركة، وأضاف: «أريد أن أنفق أموالنا في بلدنا».

اضافة تعليق