حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

الحلف الآسيوي المتين… وأين هي الصين؟

بعد أن اتضحت معالم التنسيق والتواصل كمؤشرات تَشكل هذا الحلف في البعد الوجودي نستطيع أن نفصل ما بين العلاقة المصلحية التي تحكم منهج الدول في تعاطيها وبين القراءة الأكثر عمقاً في التشبيك الاستراتيجي ودمج الملفات وربطها استراتيجياً كمشهد متعدد الزوايا ولكن على خشبة مسرح واحدة ومابين التوصل لاتفاقية أو معاهدة أو تحقيق تعاون بين دولتين أو أكثر لهدف واحد أو أهداف محددة فقط، فهنالك اختلاف أكتشفته قوى الغرب وتَلمست معالمه أو استقرءت ولادته كنمط منهجي علمي في العلاقات الدولية سَبق للتاريخ أن أوجد له أمثلة وأحداث متكررة في كثير من المواقع وعبر مزيد من الأحداث فحققت تلك التجارب بعضها نقلات نوعيّة وتحولات مفصلية في التكوين السياسي على مستوى الساحة الدولية وربما نقول أنها استطاعت إرساء نظام عالمي جديد يحكم العلاقات الدولية ويضع قواعدها ويؤطر مساحتها ويضبط ايقاعها سواءً اتفقنا مع توجه هذا النظام ودوره أم لم نتفق لكن الحريّ بنا أن نقرأه كتجربة موجودة كما يقرأ الغرب مفاصل التحول اليوم في ساحة غرب آسيا وشرق وشمال شرق آسيا على مستوى دولي وليس إقليمي نظراً لعوامل ثلاثة :

 

١- حجم التنسيق الموجود بين تلك القوى

 

٢- دور الدول المتشابكة والمرتبطة فيما بينها مصلحياً

 

٣- إضفاء البعد الفكري والأيديولوجي مع وقائع التاريخ وصيرورة التكوين على شكل تلك التفاعلات وأنماطها ومآلاتها الحيوية.

 

الجدير بالذكر أن للحرب على سورية دور هام يكاد يكون أولى شرارات هذه النبوءة الغربية في تشكل هذا الحلف كدلالة من دلالات تاريخ العلاقات الدولية الحديث والمعاصر فكانت التقديرات حول طبيعة تلك الحرب وطريقة نهايتها وتحديد المنتصر بها خاطئة تماماً بل كانت مفاجئة في بعض الأحيان وإلى حدٍ ما، فلم تتوقع قوى العدوان على سورية أن الدور السوري بهذا الحجم إقليمياً وأن التعاطي الدولي مع ظاهرة العدوان على سورية سيكون بهذا الشكل، فتحدثت الوقائع والتصريحات عن دور روسي سياسي وعسكري لصالح موجودية الدولة في سورية وعن ارتباط غير مسبوق وعلاقة أشد عمقاً بين إيران وسورية وعن موقف صيني بارز في المنصات السياسية يؤازر ويساند موثوقية الدولة السورية ويدافع عن سيادتها ويحفظ دورها على المستوى الدولي، تتابعت الأحداث وتدحرجت السيناريوهات وتوزعت قواعد الاشتباك في المنطقة الآسيوية تجاوباً مع النبوءة الغربية واستعداداً لكسر الطوق وفرط العقد قبل تشكُله، فما كان من ضغط غربي على إيران سياسياً واقتصادياً و وصولاً لافتعال الأزمات وخلق الفتن الداخلية وعدد من الأدوات الغربية التي أصبحت روايات ممجوجة كرواية الربيع العربي و الحريات والديمقراطيات وحقوق المضطهدين إلا شكلاً من أشكال الضغط الذي وصل ذروته و توازياً معه فقد كانت الحرب الروسية _ الأوكرانية وما لها من أبعاد في ضرب الأمن القومي الروسي ولجم الدور وانكفاء النفوذ الروسي لما هو محيط بروسيا بل إلى ماهو داخل المجال الحيوي الروسي وقد شهدنا توترات في بنيّة الصراع العربي الإسرائيلي بعد وصول اليمين للحكم وصولاً للأمن المائي والغذائي والطاقوي وموارد الغاز وخطوط النفط وشواطئ المياه الدافئة والتداخلات فيها والكثير الذي لا يمكن حصره من الأحداث في المنطقة التي تعكس حقيقة الدور والآليات المتبعة للنيل من هذا الحلف وتفكيكه.

 

الجدير بالذكر وبعد سرد تلك الأحداث ومدى كثافتها وقوتها توازياً مع قوة في التحديات وقوة الوجود والحضور الغربي ليصل الأمر إلى التواجد الأمريكي والغربي الصريح والدعم الواضح في المنطقة أنه في طريقة التعاطي مع النبوءة كان الدور الغربي رغم حجمه يقتصر على موقف رد الفعل فقط...

 

رد الفعل الذي يُفسر من حيث القوة ومن حيث التمثيل ومن حيث عدد الوقائع المرتبطة به لنراه أنه في التعاطي الغربي مع الساحة الصينية التي لاتنفك عن المشهد العام أنه تعاطي أكثر نعومة وأكثر هدوءاً ولكن أبعد أفقاً وأكثر تهديداً وهذا مايؤكد حقيقة أن التعاطي لايمكن أن يرتقي لمستوى الفعل ويبقى من حيث الاستنتاج رد فعل ليس إلا…

 

ولكن السؤال الأشد ألحاحاً الذي يتطرق للأذهان أن للصين دور هام واستراتيجي ولكن ما الذي يبقيه ناعماً وهادئاً وحذراً في الأقتراب أكثر من حقيقة وجود الصين فعلياً في مقدمة هذا الحلف وعلى رأس قمته ما الذي يبقي الصين مقتصرة الدور السياسي في الملفات العديدة في الساحة الآسيوية ولماذا هو وجود ذا بُعد اقتصادي حيوي وليس له أبعاد أخرى.

 

هل لهذا الدور الذي ترسمه الصين لنفسها حقيقةً واضحة تتجلى في توزيع الأدوار واختيار الساحات بل أولوية الملفات أم لهذا الدور هدفاً من الحفاظ على نمط متوازن في المنطقة لكي لايصل بنا المطاف لاشتباك مباشر في عدّة ساحات وفي آنٍ معاً وهذا التوازن يستطيع أن يساهم في إنتاج هذا الملف بشكله السليم والمنطقي وبشكل يستطيع من خلاله التنين الصيني أن يخلق معادلة دولية جديدة تكسر جليد الحرب الباردة وتخلق تحولاً في شكل العلاقات الدولية و نُظمها السياسية لكي نصل لما نريد ونحن في جبهات لسيت شديدة الاشتعال ولسيت باردة بما فيه الكفاية لتحافظ على النظام الدولي بشكله الحالي فالدور الصيني يتأرجح بين الوضوح والغموض بين الشدّة واللين وبين المصالح المؤقتة الحيوية والأهداف الاستراتيجية الكبرى والتي تحتاج لمزيد من الوقت.

 

هذه جملة من الاستنتاجات الواقعية ولكنها بنفس الوقت تساؤلات منطقية نأخذ بها بعين الاعتبار دورة التاريخ وتشكل الحضارات والأزمات التي تُحيق بالغرب والتي تأخذ شكل الخطوط الهندسية الأساسية في رسم الفضاء الدولي القادم.

الكاتب : عمر غفير 

اضافة تعليق