حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

الغرب يعاني اضطراب الشخصية الساديّة.. والمسألة أبعد من مجرّد نفط

تشير الأبحاث الأخيرة إلى أن فنزويلا غنية جداً بالموارد الطبيعية، إذ يمكنها أن تلبي بمفردها كامل الطلب العالمي على النفط لأكثر من 30 عاماً، وهي غنية أيضاً بالثروات الطبيعية الأخرى في حوض أورينوكو وفي مناطق أخرى من البلاد، لكن هل هذا يعني أن محاولات الولايات المتحدة لزعزعة استقرار فنزويلا تتعلق بالنفط فقط.. أو أن ما يُفضي إلى انتشار الإرهاب المدعوم غربياً في جميع أنحاء العالم هو مجرد مصالح تجارية وجشع غربي أسطوري؟ لا.. الحقيقة أبعد من ذلك.

هناك مَنْ يعتقد أن الرأسمالية هي المسؤولة عن كل شيء، وأنها توجد ثقافة العنف التي أصبح الضحايا والمعتدون على حد سواء رهينة لها.. في الواقع، الرأسمالية هي نتيجة الثقافة الغربية التي تعتمد في الأغلب على التوسعية والعدوان، كما أنها مبنية على رغبة عميقة الجذور في السيطرة والقيادة، والجشع المالي ليس إلا نتيجة ثانوية لهذه الثقافة.. وهنا نسأل: ما الذي يجعل السيناريوهات التي رسمها الغرب ضد ليبيا وسورية وفنزويلا متشابهة إلى هذا الحد.. ولماذا الغرب متحمس لمهاجمة هذه الدول الثلاث بشراسة.. ومن ثم محاولة تدميرها؟

الجواب بسيط.. رغم أن الغرب لا يعترف به كثيراً، على الأقل ليس علناً:

أولاً: وقفت البلدان الثلاثة في طليعة النضال لتعزيز مفاهيم مثل «الوحدة الإفريقية» و«الوحدة العربية» و«خطة الوطن الكبير» وتم الاعتراف بهذه الدول الثلاث على الصعيدين الإقليمي والدولي كدول مناهضة للإمبريالية الأمريكية، فكانت مصدر إلهام.. ومصدراً للأمل بالنسبة لمئات الملايين من الناس.

وهكذا، تم اجتياح ليبيا عام 2011، بينما لا تزال سورية تتصدى بكل قوة للمخططات الغربية وهي تخوض منذ سنوات حرباً ضد الإرهاب.. أما فنزويلا فهي تواجه الآن تهديدات مباشرة من الغرب على طريقة المافيا، وفي أي لحظة يمكن أن تتعرض للهجوم بشكل مباشر أو من خلال عملاء واشنطن في أمريكا اللاتينية.. وكل ذلك، لأن إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية قد تم عدهما، ولعدة قرون، مستعمرات غربية، لأنه كلما نهضت الشعوب وقاومت تم استهدافها تقريباً مباشرة بقبضة الإمبريالية الغربية الوحشية، ولأن أولئك الذين يعتقدون أنهم يسيطرون على العالم لا يريدون للأحوال أن تتغير.

ثانياً: إن أوروبا وأمريكا مهووستان بالسيطرة على بقية الدول، ولتحقيق ذلك تعتقدان أنه يتعين عليهما التأكد من القضاء على كل معارضة في مستعمراتهما القديمة والحديثة، إنها حالة ذهنية حقيقية وجد فيها الغرب نفسه، حالة يمكن تعريفها بأنها «اضطراب الشخصية السادية».

يتمتع الغرب بقدرة مذهلة على تحديد قادة الاستقلال الإقليميين الحقيقيين لـ«شيطنتهم» وجعلهم عرضة للخطر عن طريق إيجاد ثم استثمار ما يسمى «المعارضة المحلية» وفي وقت لاحق يسعى لإزاحة هؤلاء القادة، وتدمير بلدانهم وحتى مناطقهم بأسرها.. في بعض الأحيان، يهاجم الغرب بلداناً معينة، كما كان الحال مع إيران (1953) أو العراق أو نيكاراغوا، ولكن في كثير من الأحيان، يذهب مباشرة إلى «السمكة الكبيرة» أي قادة المعارضة الإقليمية ذوي الشأن للمخططات الغربية، كما هو الحال مع ليبيا وإندونيسيا وسورية.. والآن، فنزويلا.

بالطبع، مهما كان ما يفعله الغرب، فإنه يحاول تدمير أعظم القادة في التحالف المناهض للغرب والإمبرياليين، تحالف روسيا والصين.

ثالثاً: يحتاج الغرب أن يحكم، إنه مهووس بالسيطرة على العالم وغارق بالشعور بالتفوق والتميز.. على مدى قرون كان الغرب يتصرف كمتعصب ديني أصولي، ولم تلاحظ الشعوب في الغرب أبداً أن حكوماتهم تنظر للعالم من منظور الاستثنائية والتفوق الثقافي، هذا هو السبب في نجاح الغرب في إنشاء وتعزيز الحركات الدينية المتطرفة في جميع أنحاء العالم تقريباً: من أوقيانوسيا إلى آسيا، ومن إفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، وبالطبع إلى الصين.

لكن سورية، تمكنت من النجاة ومازالت تقاوم، السبب الوحيد لعدم تحرير الجيش العربي السوري آخر معاقل الإرهابيين في البلاد، إدلب حتى الآن، هو حرصه على عدم تعريض حياة المدنيين للخطر.. فنزويلا بدّورها ترفض الركوع والاستسلام، ومن الواضح أنه إذا تجرأ الغرب وحلفاؤه على مهاجمتها، فإن الشعب سيقاتل، وإذا لزم الأمر، سيخوض حرب تحرير ضد المُحتلين، وضد الخونة.

من الواضح أن واشنطن ولندن وباريس ومدريد تستخدم استراتيجيةً عفا عليها الزمن، استراتيجية نجحت ضد ليبيا، ولكنها فشلت تماماً في سورية، فالسوريون لا يقاتلون من أجل سورية وحدها، ولكن من أجل العالم المضطهد بأكمله، بما في ذلك فنزويلا.. لقد اكتشفوا بوضوح أن الغرب يستخدم الاستراتيجية العدوانية نفسها ضد كراكاس التي تعاني وتقاتل الآن من أجل العالم المضطهد بأكمله..لا شك في أنه كان لتدمير ليبيا تأثير سلبي هائل على إفريقيا، وقد فتح الأبواب أمام النهب الفرنسي المتجدد والراسخ للقارة، بعد أن انضمت فرنسا مباشرة للتدخل العسكري في ليبيا بقيادة الـ«ناتو» في 2011.

سورية هي آخر معقل في المنطقة يقاوم.. ولنكونَ أدق، إيران تقاوم كسورية، لكنها لم تتحول بعد إلى جبهة للقتال، برغم أنه على الأغلب يبدو أنها قد تصبح ساحة للمعركة في وقت قريب. وفي سياق مماثل، فنزويلا لا يمكن أن تسقط، للأسباب نفسها، هي تقع في أقصى الشمال من أمريكا الجنوبية، حيث هناك قارة بأكملها أرهبتها ونهبتها أوروبا وأمريكا الشمالية عقوداً وقروناً، وأجبرتها على اتباع النماذج السياسية والاقتصادية الغربية.

في البرازيل مثلاً، تمت الإطاحة بالحكومة الاشتراكية التقدمية لحزب العمال، وإذا سقطت فنزويلا فإن كل شيء يمكن أن يضيع عقوداً وربما حتى قروناً، لذا ستقاتل فنزويلا جنباً إلى جنب مع تلك الدول القليلة الأخرى التي لا تزال قائمة في نصف الكرة الغربي، تلك البلدان التي وصفها الديكتاتوريون في واشنطن العاصمة علناً بـ«الفناء الخلفي».

كاراكاس تناضل من أجل الأحياء الفقيرة الشاسعة في بيرو، والملايين المعوزين في باراغواي، وفافيلا (الأحياء العشوائية الفقيرة) في البرازيل، كما كانت سورية ولا تزال تقاتل من أجل فلسطين، من أجل اليمن، من أجل العراق.

التدخل الغربي في فنزويلا لا يتعلق بالنفط فحسب، إنه يتعلق بقدرة الغرب على إغلاق قناة بنما في وجه السفن الصينية، إذاً، فالأمر يتعلق بالسيطرة الكاملة على العالم، إيديولوجياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، يتعلق بتصفية كل الدول المعارضة والمناهضة للإمبريالية في نصف الكرة الغربي، وإذا سقطت فنزويلا، فقد يجرؤ الغرب على مهاجمة نيكاراغوا، ثم كوبا.. ولهذا السبب، فنزويلا يجب ألا يُسمح بسقوطها.

إن المعركة من أجل فنزويلا محتدمة بالفعل، على جميع الجبهات، بما في ذلك الإيديولوجية. هناك لا يقاتل الفنزويليون من أجل كاراكاس أو ماراكايبو أو سيوداد بوليفار، هم يقاتلون من أجل العالم المضطهد بأكمله، كما فعل السوريون ويفعلون في دمشق وحلب وحمص وإدلب، كما قد يضطر آخرون قريباً إلى أن يفعلوا ذلك في العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء العالم. مادامت الإمبريالية الغربية نشطة؛ ومادامت لن تتخلى عن أحلامها المتمثلة في السيطرة على العالم بأكمله وتدميره، فلا يمكننا أن نهدأ، ولا يمكننا الاحتفال بالنصر النهائي في أي جزء من العالم، لذلك، هذا أبعد ما يكون عن كونه «مجرد نفط».. إنه معركة وجود.

المصدر :  موقع غلوبال ريسيرش - راشيل الذيب

اضافة تعليق