حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

أيام ليبيا الدامية مستمرةٌ رعاةُ الميدان و«السياسة» وتغييــر جغرافيـا المعركة «الكلمةُ للحرب».. فهل تقول هذه الحرب كلمتهـا

أيام طويلة دامية بانتظار العاصمة الليبية طرابلس.. فلا «جبهة» السراج في وارد التسليم والاستسلام، ولا «جبهة» حفتر في وارد التراجع.. هذا ما يبدو حتى الآن، إلا إذا استجد ما ليس في التوقعات والتسريبات، ففي الميدان يكون لكل يوم مساره ونظامه وأحياناً بما يتناقض كلياً مع اليوم الذي قبله، وبما يخالف حتى أكثر التوقعات دقة.. وهذا ينطبق حتى على التصريحات والإعلانات الرسمية.. وحدها الأمم المتحدة ستخرج من الميدان بانتظار أن تضع المعارك أوزارها، وحتى الآن لا أحد يستطيع التنبؤ بزمنها أو مداها أو من سينتصر فيها، أو ما إذا كانت الأطراف الإقليمية والدولية الراعية لكلا «الجبهتين» قررت أخيراً أنه لابد من الحسم الميداني، سواء لناحية الدفع بجيش حفتر لمهاجمة العاصمة، أو لناحية الإيعاز لجيش السراج بالبقاء فيها والقتال، برغم أن ميزان القوى- بشكل عام – يميل باتجاه حفتر الذي يسيطر على أغلب مناطق البلاد.. ولكن في طرابلس الوضع مختلف، فهي العاصمة، وفيها الحكومة المُعترف بها دولياً «أي حكومة السراج» لذلك، فإن «سلطة» حفتر تبقى ناقصة، وتالياً فإن القوى التي تقف خلفه تعجز عن التدخل بالصورة التي تريدها، ويبدو أن الصراع خلف الكواليس بلغ مداه، وكان لابد من أن يخرج بوجهه الميداني، وكان لابد من الوصول إلى نقطة: إما حفتر وإما السراج، لكن الجواب ليس سهلاً أو ليس ممكناً، ميدانياً، حتى لو كان حفتر يملك الأوراق الميدانية الأكثر.

في ليبيا المعادلة الأساسية هي خلف الكواليس، وهذه المعادلة هي بطرفين متعادلين تقريباً وبما يجعل الحسم الميداني شبه مستحيل، لتبقى ليبيا نهباً للمعارك وللاضطرابات، ولتبقى دولة برأسين: حكومتين وجيشين، وعليه فإن جولة القتال الحالية لن تكون الأخيرة، لكنها ستكون الأطول قبل أن يتم الاتفاق خلف الكواليس على تأجيل الحسم «بزعم أن الظروف لم تنضج بعد».

مع ذلك، فإن معارك طرابلس الحالية تعد خطوة واسعة باتجاه تغيير جديد في جغرافيا الحرب لتميل أكثر لمصلحة حفتر، فهو- وحتى لو اتجهت التطورات نحو التأجيل- سيحتفظ بمواقع متقدمة في محيط العاصمة بانتظار اللحظة التالية المناسبة.. هذا السيناريو ينقضه أمر واحد فقط هو أن يكون هناك ما هو مبيت.

في كل الأحوال، لابد من الانتظار ومتابعة سير المعارك من جهة، ومراقبة سلوك داعمي كل من السراج وحفتر من جهة ثانية.. ربما يكون هناك جواب لسؤال: هل جولة معارك طرابلس الحالية ستكون أخيرة وحاسمة، أم هي ورقة ضغط ميدانية بهدف الاستحواذ السياسي في ظل توجه المجتمع الدولي نحو رعاية جولة سياسية جديدة تبدو في مصلحة السراج أكثر منها في مصلحة حفتر، وعليه كان لابد لهذا الأخير من أن يستعمل ورقته الميدانية الرابحة.. حتى الآن.

من المصافحة إلى الحرب.. شهر وثلاثة أيام فقط فصلت بينهما

في 28 شباط الماضي التقى كل من فايز السراج رئيس ما يسمى حكومة الوفاق الوطني الليبي، وخليفة حفتر قائد ما يسمى الجيش الوطني الليبي، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وبدت الأمور على خير ما يرام باتجاه «تقاسم السلطة والنفوذ» بين الرجلين، كما قيل حينها.

في آذار الماضي افترق الرجلان.. السراج ذهب إلى قطر في 10 آذار الماضي، والسراج ذهب إلى السعودية في الـ 27 منه.

في نيسان الجاري، وفي يومه الرابع أي الخميس الماضي، عاد حفتر والسراج إلى لغة السلاح، لكن أحداً لم يسأل عن السر في هذا التحول من «من المصافحة إلى الحرب» فكل الأسرار معروفة، وفي مسألة ليبيا تحديداً لا أحد يخبئ نفسه، التدخلات والمطالب والضغوط علنية جداً.. بل فاضحة، لذلك كل جولات المعارك كانت شرسة وكانت تنتهي بتوافقات هشة لا تلبث أن تسقط عند أول اختبار، وعليه كان مفاجئاً قول السراج – في كلمة متلفزة مساء السبت الماضي – أنه فوجئ بإعلان حفتر الحرب، مستعرضاً الجهود والمساعي و«التنازلات» التي قامت بها «حكومته» في سبيل الحل السياسي.

ردّ حفتر على ما قاله السراج جاء حاداً مباشراً، وقاطعاً الطريق على أي كلام أو تفاوض.. حفتر رد على لسان الناطق باسم «جيشه» أحمد المسماري الذي قال:«الكلمة هي للحرب، والحرب تجاوزت مرحلة التصريحات » مُتهماً «جبهة» السراج بأنها تتسلح من قطر وتركيا اللتين تواصلان إرسال المال والسلاح بشكل منتظم إلى طرابلس، أي إلى قوات السراج. هل هذا يعني أن حفتر أعلن الحرب رداً على هذا التسلح، وبما يقطع الطريق على قطر وتركيا؟ قد يكون هذا جزءاً من الجواب.

«حرب» و«نفير»

النفير العام الذي أعلنته «جبهة» السراج ما زال قائماً، وسلاح الجو التابع لها نفذ غارات عدة على قوات حفتر التي اعترفت بهذا، وهناك اشتباكات مستمرة، وجولات كر وفر ضاعت فيها التصريحات بشأن من هو المتقدم فيها ومن هو الخاسر.. هذا يعني أن التطورات ليست إيجابية بالكامل بالنسبة لحفتر الذي أعلنت قواته أنها ستسيطر على العاصمة طرابلس في غضون 48 ساعة فقط.. كان هذا الإعلان يوم الخميس الماضي ونحن اليوم في صباح الثلاثاء، أي إن هذه الساعات الـ 48 تحولت إلى أيام، ومرشحة أن تتحول إلى أسابيع.

من نافل القول أن كلا الرجلين تلقيا الضوء الأخضر اللازم: حفتر للحرب، والسراج للمواجهة والرد، ونحن هنا نتحدث بكل حيادية من دون أي تحيز بل نعرض واقعاً معروفاً بمجمله، ولكن ما يغيب عن كل ما يُقال بشأن الوضع في ليبيا وتطوراته هو السؤال الآتي: ألا تحتاج ليبيا إلى الحسم الميداني فعلاَ؟

لنلاحظ أن كل التسويات السياسية فيما يخص الأزمات في الدول العربية هي تسويات معلقة منذ سنوات، بينما الميدان يغلي ويفور وكأن الهدف هو أن يبقى كذلك ليخرجوا في كل مرة علينا بالقول ذاته بشأن أن التسويات السياسية يُعطلها الميدان، وعليه تبقى هذه الأزمات مستمرة إلى ما لا نهاية وتستمر معها خديعة الدور الأممي والمبعوثين الأمميين الذين يجولون بين دولنا رافعين لواء الحل الذي هو في حقيقته يبدو وكأنه لواء إدامة الحرب.. هذا ما نشهده منذ عقود، بل منذ سنوات الاستقلال الأولى.. الأزمات العربية لم تتوقف بل تطورات نحو أزمات شبه مستحيلة الحل مع بدء «الربيع العربي» ونحن في المنطقة الأدرى بما يحل بها، وبتنا نعرف جيداً كيف يجري التعامل مع الأزمات وكيف تتم إدامتها عاماً بعد عام.

لنعد إلى سؤال يطرحه المراقبون والمحللون بقوة: ألا تحتاج ليبيا للحسم؟.. بغض النظر على يد مَنْ، حفتر أو السراج، باعتبارهما حالياً أبرز من يطفو على ساحة الفعل الليبي، علماً أن هناك عشرات الفصائل المسلحة الأخرى القادرة على التأثير والتعطيل.

السؤال الآخر الذي يستدعيه السؤال الأول هو: إذا سلّمنا جدلاً بحاجة ليبيا للحسم الميداني، فهل هذا الحسم مُتاح أو مسموح به؟ هذا هو أساس القضية، فهذا الحسم غير مسموح به، وتالياً، فإن الحسم السياسي غير مسموح به أيضاً.

بين الميدان والسياسة

لوهلة قد يتمنى البعض أن ينجح حفتر في الحسم، ويرون أنه قادر عليه، فتكون ليبيا برأس واحد، فهذا سيسهل الحل السياسي على قاعدة التعامل مع «وجه عسكري واحد».. لكن هذا أيضاً غير مسموح به.. وفي اللحظة الحاسمة سنجد كيف أن حفتر سيتوقف أو سيُؤمر بالتوقف عند نقطة محددة بانتظار ما سترسو عليه توافقات الرعاة والداعمين.. و«المُسلِحين والممولين» طبعاً. ظاهرياً، فإن التوافقات إقليمياً ودولياً تبدو قائمة.. ربما لم تبق دولة حول العالم إلا ونددت ودانت وانتقدت وطالبت ودعت، وبعضها هدد بمحاسبة «كل طرف يؤجج النزاع».. ولكن ماذا بعد، وما قيمة كل ما قيل وما سيُقال؟

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس غادر ليبيا السبت الماضي على تشاؤم وقلق، محذراً من أن «المواجهات العسكرية ستكون كبيرة جداً».. والمبعوث الأممي غسان سلامة أعلن أن «المؤتمر الوطني الليبيي» ما زال في موعده ما بين 14 و16 نيسان الجاري في مدينة غدامس الليبية «إلا إذا فرضت ظروف قاهرة نفسها ودفعت باتجاهات أخرى» على حد قوله.

عندما يتحدث المبعوث الأممي غسان سلامة عن ظروف قاهرة «محتملة» فهذا يعني أننا أمام احتمالي التأجيل أو الإلغاء، ولا يبدو أن الميدان سيهدأ قبل تاريخ 14 الجاري، وإذا هدأ فإن التحليلات التي ذهبت باتجاه أن حفتر (وداعميه) أرادوا التصعيد ميدانياً لفرض شروطهم سياسياً هي تحليلات صحيحة. مع ذلك، هناك من يجادل بأنها تحليلات ضيقة الأفق ولا تبدو مسنودة واقعياً بصورة قوية، لماذا؟

أولاً- لأن قرار مهاجمة العاصمة طرابلس هو بأبعاده وأهدافه أكبر وأوسع من مسألة امتلاك ورقة ضغط في مؤتمر «محلي» يبدو محكوماً بالفشل مسبقاً.

ثانياً- لأن هذا القرار- وحسب أغلب المحللين – لم يُتخذ اعتباطياً في التوقيت ولا في الأهداف الموضوعة، مشيرين إلى أن المرحلة المقبلة ستكشف الكثير مما تم الاتفاق عليه خلال الشهرين الماضيين، إذ شهدت الساحة الليبية فترة هدوء لا بأس بها.

ثالثاً- لأن حفتر بالمجمل يفكر كالعسكر ولا يفكر كالسياسيين، ففي مؤتمر باليرمو- إيطاليا الذي عقد في 14 تشرين الثاني الماضي حضر حفتر في اللحظة الأخيرة وبعد سلسلة وساطات، وعندما حضر كان حاملاً معه ورقة «التقدم الميداني» الذي حققه في الجنوب والشرق.. ولم يقدم مؤتمر باليرمو جديداً عما سبقه برغم أن عدد الدول المشاركة فيه كان الأكبر.

ربما يفيد هنا أن نورد أنه خلال العام الماضي فقط، عقدت 77 جلسة حوار في 40 عاصمة ومدينة وبلدة- في الجوار أو في الإقليم أو على المستوى الدولي- شارك فيها نحو 7 آلاف ليبي.. والنتيجة كانت: لا شيء!

في الملتقي الوطني المرتقب، كانت التحضيرات تجري على أساس مشاركة 100 إلى 150 شخصية سيتم اختيارها وفق 17 مقياساً أهمها: الانتماء الجهوي والسياسي، والتوازن بين الفئات العمرية المختلفة، كما قالت ستيفاني ويليامز نائب غسان سلامة.

لكن أهم ركيزة لهذا المؤتمر كانت اجتماع أبو ظبي الذي جمع حفتر والسراج، لأن الاجتماع انتهى إلى اتفاق بينهما على الاستفتاء الدستوري والانتخابات الرئاسية والبرلمانية.. لذلك فإن حضور حفتر والسراج كان الأهم، وعليه، فإن التطورات الميدانية الحالية تُسقط توافقات اجتماع أبو ظبي، وتجعل من الصعب جداً جمع الرجلين إلى طاولة واحدة.

لا نعتقد أننا سننتظر طويلاً حتى تتكشف أمامنا حقيقة ما جرى ويجري في الكواليس الإقليمية والدولية.. علماً أن المعارك ستتواصل، من دون حسم نهائي، ليكون الخاسر الأكبر فيها وأكثر من يدفع الثمن هو الشعب الليبي.

المصدر : تشرين - مها سلطان

اضافة تعليق