حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

72 عاماً على التأسيس.. السوريون إذ يحيون ذكرى ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي: عندما يكون الوطن هو القضية.. كل أحزابنا حزب واحد بهدف واحد.. معركة واحدة ونصرنا نصر وطن

كان مطلوباً أن يستقيل من مهامه الوطنية، فتبقى سورية نهباً للاضطرابات والانقلابات.. مرتهنة للضعف والتبعية.

كان مطلوباً أن يستقيل من مهامه القومية العربية، فتبقى العروبة فاقدةً لسورية وهي أحد أهم أعمدتها.. فتستمر هذه العروبة عرجاء تستجدي.لكن حزب البعث استمر وطنياً..عربياً.. اشتراكياً.ثم.. وفي «ربيع» الكفر والتكفير، كان مطلوباً أن يسقط فتسقط معه سورية مادياً ومعنوياً، وطنياً وعربياً.. كان مطلوباً أن يسقط من الوعي والوجدان السوري والعربي، لذلك كانت الحملة الإرهابية ضد سورية (وضد حزب البعث العربي الاشتراكي) شرسة في كل مراحلها (بما فيها العسكرية.. ألم يقل غزاة العراق صراحةً عام 2003 إن هدفهم تخليص العراقيين من «البعث».. وأنه بتدميره ستكون للعراق قيامة جديدة.. وحتى الآن لم يرَ العراقيون سوى جهنم تلفح بنيرانها الإرهابية حاضرهم ومستقبلهم.. هذا ما أرادوا تكراره في سورية منذ ذلك الوقت لكنهم فشلوا مرة بعد مرة وصولاً إلى عام 2011 وانطلاق شرور «الربيع العربي»).

كان مطلوباً أن يسقط حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، وبالبعد العربي أيضاً.. زمن سورية انتهى، هكذا أعلنوا، وهكذا توهموا.. زمن العرب والعروبة انتهى، فليعد العرب إلى زمن التفتت والاقتتال، ليكونوا كيانات صغيرة ضعيفة ولا حاجة للأحزاب بل لأوصياء فقط يديرون أمور هذه الكيانات وعلاقاتها بعضها مع بعض بعدما عجز معظمها – عندما كانت دولاً – طوال ما بعد الاستقلال أن تدير أمورها وأن تبني علاقات سوية متوازنة فيما بينها ومع غيرها.

في عام 2014، هناك من العرب من طالب علناً بعودة الاستعمار، عاداً أن أحداً من العرب من يطلب منه الجلاء (والقائل هنا كان يقصد المستعمر البريطاني بل سماه بالاسم).. طبعاً اليوم هناك من تجاوز بكثير هذا المطلب، هناك من يعمل مع العدو (ليس جنباً إلى جنب وإنما تحت الخدمة) لإسقاط الدول العربية واحدة تلو الأخرى، بزعم أنه السبيل الوحيد لمواجهة التحديات؟! بينما الهدف لمن يطالب بذلك ولمن يعمل عليه هو أن يستمر على رأس السلطة بتسلط الخارج وليس بشرعية الداخل، إنه منطق القبيلة وليس منطق الدولة الوطنية.. وهذا ليس قولنا بل هو قول الغرب نفسه الذي يتعامل مع الكثير من الأنظمة العربية على أنها قبائل وليست دولاً، وهذا ما جاء تحديداً في صحيفة «الإيكونوميست» البريطانية التي وصفت معظم الأنظمة الخليجية بأنها «قبائل ترفع أعلاماً» قبل أن توسع جغرافية التوصيف لتضيف له أنظمة عربية أخرى، لا تقل قبائلية ونزاعات اقتتال داخلها وضد بعضها بعضاً.

في كل الأحوال، لا نأتي بجديد عندما نقول ذلك، فكل شيء بات فوق الطاولة ويُمارس في العلن من دون خجل.

كان مطلوباً من سورية – ومن حزب البعث العربي الاشتراكي – أن تتحول إلى هذه الحال «قبيلة ترفع علماً» لتكتمل خريطة الضعف العربي، ولكن.. لا سورية فعلت ولا حزب البعث فعل.. صحيح أن حزب البعث – ومنذ بدء الحرب الإرهابية على سورية – تحول بكامل تركيزه وعمله باتجاه الداخل، وصحيح أن تطورات الساحة العربية – بدءاً من غزو العراق – أصابته في مواضع شتى ودفعته إلى ما يمكننا تسميته «قلة حيلة» بسبب ما انجرت إليه بعض الأنظمة العربية من تبعية وعمالة، وصحيح أن الحملة ضده ما زالت شرسة.. لكنه – قيمة ومضموناً وعملاً – لم يتخل عن شعاره الذي رفعه: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.. هذا شعار لم يسقط برغم انحسار دور حزب البعث عربياً، لماذا؟

أولاً، لأن هذا الشعار لم يكن يوماً شعاراً حزبياً، أي شعار حزب البعث العربي الاشتراكي فقط، بل هو شعار كل السوريين الذين طالما قدموا الانتماء العربي على ما عداه.. لطالما كان السوريون قلباً وقالباً مع الأمة.. السوريون ليسوا كلهم بعثيين، وإذا ما اتجهنا إلى مقارنة بين السوريين ما قبل الحرب الإرهابية على بلادهم وما بعهدها فإننا لا نستطيع القول: إن هذه الحرب لم تكن لها تأثيرات فيهم وفي معتقداتهم وتوجهاتهم وآرائهم.. وإنها لم تُصبْهم بالكثير من الخذلان وخيبات الأمل، لكنهم لم يسقطوا شعار: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، فكيف يسقطه حزب البعث وهو نابع من إرادة شعبية وليس من نزعة سلطة وتسلط كما حاولوا أن يصوروا حزب البعث في سبيل تشويهه عقيدة وانتماء وعملاً.

ثانياً، لأنه لم يقم على أساس طائفي أو ديني، ولم تؤسسه جهات خارجية أو تدفع إلى تأسيسه أو تموله، بل كان حزباً جامعاً لكل السوريين، متحدثاً باسمهم وحاملاً لهمومهم، وتكفينا عودة سريعة إلى مرحلة التأسيس وإلى المؤسسين.

ثالثاً، لأنه خرج من صفوف الشعب، لم تكن «الاشتراكية» شعاراً بل كانت عملاً يومياً وممارسة تكرست في كل قطاعات الدولة على اختلاف مستوياتها وأدوارها، وبذلك امتلك حزب البعث ديمومة العطاء والقدرة على التطور والتطوير والتجاوب مع متطلبات كل مرحلة داخلياً (وخارجياً).

رابعاً، لأنه لم يكن حزباً تصادمياً ولا انفعالياً ولا منغلقاً، بل كان جَمْعيّاً فاعلاً مؤثراً ومنفتحاً.. لكنه في الوقت نفسه لم يكن من دون انتكاسات أو انشقاقات أو مؤامرات (داخلية وخارجية) شأنه شأن كل الأحزاب في العالم، ولا يضير حزب البعث أو ينال منه أنه كان حزباً حاكماً، ففي نهاية المطاف أليس هذا هدف كل حزب؟.. أن يوجد في موقع يكون قادراً فيه على التأثير وبما يجعله موجوداً دائماً على ساحة الفعل.. أليست هذه حال الأحزاب في أوروبا أو الولايات المتحدة (في حال كان بعضنا يعدها نبراساً ومقياساً).. لماذا حلال على هذه الأحزاب أن تسعى إلى السلطة وتعمل كل ما في وسعها للبقاء فيها.. بينما هو حرام على حزب البعث.. أليس كل حزب موجود في السلطة في أي بلد حول العالم، يسمى الحزب الحاكم، فلماذا تعد هذه التسمية تهمة عندما يتعلق الأمر بحزب البعث؟!

خامساً، بالعودة إلى سنوات تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، ثم تحوله إلى «حزب قائد» أي من سنوات الاضطرابات والانقلابات إلى عقود الدولة النامية المستقرة.. لم تكن تلك السنوات بالسهلة.. لم يكن سهلاً على الإطلاق ترتيب وتنظيم الأوضاع في بلد هو جزء من منطقة رسم حدودها المستعمر الفرنسي والبريطاني لتكون حدوداً متفجرة تُبقي كل دولة محكومة مرتهنة متأهبة دائماً على حساب عملية التطوير والاستقرار الداخلي.. لم يكن تنظيم الأوضاع في سورية سهلاً فكيف الحال بالإمساك بزمام الأمور فيها وقيادتها.. كان على حزب البعث التعامل مع بذور الفتنة التي زرعها المستعمر والذي عمل – حتى بعد خروجه مدحوراً مهزوماً – على إبقاء جذور الطائفية والمذهبية حيّة لتكون هي البوصلة بدلاً من الانتماء الوطني، وكان السوريون يشهدون عاماً بعد عام كيف تمت إعادة اللحمة بينهم في أربع جهات سورية على أساس الوطن الواحد والشعب الواحد المتساوي في الحقوق والواجبات، من التعليم وتوحيد مناهجه، إلى توفير الخدمات على كل المستويات، وصولاً إلى الجيش الواحد الموحد في الانتماء الوطني، وفي العقيدة نحو أمة عربية واحدة ليكون في خدمتها كما هو في خدمة وطنه سورية.. كل هذا شهده السوريون وعاشوه وتمسكوا به.. تمسكوا ليس بحزب البعث في حد ذاته بل بما حققه من عقود رفاه واستقرار، وأي أحد لا يستطيع إنكار ذلك.

سادساً، في مرحلة التأسيس، وفي كل المراحل بعدها، كانت فلسطين هي البوصلة، والعدو واحد ومعروف.. هذه لم تكن بوصلة حزب البعث فقط ، بل بوصلة كل السوريين.. حزب البعث عمل على إدامة القضية الفلسطينية متجذرة في وعي السوريين وفي أهدافهم جيلاً بعد جيل، فكانت فلسطين موجودة ركناً أساسياً في النظام التعليمي وفي الثقافة والمعرفة وفي الممارسة اليومية، تماماً كما كانت القومية العربية موجودة بالطريقة ذاتها، منهج عمل وثقافة، بل في إمكاننا القول نظام حياة.. ربما لهذا سجل السوريون على الدوام موقفاً متقدماً في الدفاع عن فلسطين وعن العروبة.. لنذكر هنا أن من ضمن المطالب الغربية الأساسية من سورية – ما قبل «الربيع العربي» وتحديداً منذ منتصف التسعينيات – إجراء تغيير جذري في النظام التعليمي السوري وبما يُخرج فلسطين والعروبة منها، أو أن يتم المرور عليها مرور الكرام، فلا ترسخ في وجدان الطفل السوري ووعيه، ولا تنتقل معه مرحلة بعد مرحلة، ومن جيل إلى جيل.. لكن الطلب قوبل بالرفض المطلق، ونحن هنا لا نفشي سراً، الجميع يعرف ذلك، كما لا يخفى على أحد أن أحد الأهداف الرئيسة لـ «الربيع العربي» كان إسقاط فلسطين، لأنها القضية الوحيدة التي تُجمع عليها الأمة.

سابعاً، لا أحد يستطيع أن ينكر دور حزب البعث منذ التأسيس رسمياً في 7 نيسان 1947، وأنه الحزب الأكثر حضوراً على الساحة العربية.. كانت له فروع في أغلب الدول العربية (وفي العراق كان حزباً حاكماً) لا أحد يستطيع أن ينكر أنه استطاع تحقيق استقطاب عربي واسع كحزب نضالي مقاوم.. وأنه مصدر فخر السوريين الذي يتباهون بعروبتهم.

ثامناً، كل ما سبق شهده وعاشه السوريون، لذلك هم الأعلم والأقدر على الرد على كل حملات التزوير والتشوية التي تستهدف – ولا تزال- حزب البعث، أي تستهدفهم في نهاية المطاف.. كان في إمكان حزب البعث أن يتخلى عن كل ما سبق ويتحول حزباً داخلياً موضعياً وهو الذي لم يتوقف كثيراً عند مسألة المادة الثامنة سواء استمرت قائمة أم لا، سواء كان حزباً حاكماً أم لا، فهو عندما رفع شعاره وأهدافه لم يكن في الحكم، ولم يكن شعاراً للسلطة بقدر ما كان شعاراً وطنياً عقائدياً.. لم يتخل حزب البعث عن حمل الأمانة، سورياً ولا عربياً.. لذلك هو لم يُسقط بإلغاء المادة الثامنة كما كان يُراد له، أو كما كان العدو وأدواته يُمنّون أنفسهم، بل كانوا متيقنين من سقوطه، لهذا كانت خيبة أملهم هائلة.

كل ما سبق ليس دفاعاً عن حزب البعث بقدر ما يطرح جملة أسئلة: لماذا علينا أو لماذا مطلوب منا أن نَكْفر بكل شيء ونُكفّر كل شيء: تاريخنا، حضاراتنا، رموزنا، الماضي القريب والحاضر.. هل يُعقل أن كل ما مضى وكل ما لدينا هو سيئ ومشوه ويجب إسقاطه.. هل يُعقل أنه ليست لدينا محطة تاريخية مشرفة.. لماذا علينا أن نكون أمة بلا تاريخ ولمصلحة مَنْ.. هل يُعقل أنه لا يمكننا الاتفاق والالتقاء حول قضية أو هدف؟

لا نقول: إن حزب البعث مُنزّه عن الخطأ، فهو كأي حزب في العالم قد يُخطئ الرؤية والتقدير فيُخطى العمل، ثم يتراجع للتصحيح ويستقيم مجدداً.. قد تُصيب بعض أفراده نوازع شخصية ومطامع فردية كأي حزب في العالم، لكن النهج الأساس لا يتأثر ولا يتغير.. وإذا كان حزب البعث أصابه ذلك فهذا لا يلغي تاريخه وإنجازاته. لماذا مطلوب منّا – في مسألة حزب البعث تحديداً- أن ننظر إلى تلك المساحة الفارغة القليلة جداً من الكأس.. إذاً كيف استطاعت سورية طوال عقود ما بعد الاستقلال أن تكون دولة لها كل المقومات الأساسية المعروفة لأي دولة.. دولة مؤسسات ونهج واضح محدد: مجتمعاً وجيشاً واقتصاداً ورؤى مستقبلية.. وكيف استطاعت أن تصمد وتواجه وتنتصر برغم شراسة الحرب الإرهابية التي تواجهها.. لو كان حزب البعث حزباً سلطوياً وتسلطياً كما يزعم البعض زوراً وبهتاناً؟

الآن بعد ثماني سنوات على الحرب الإرهابية التي تتعرض لها سورية، يدرك السوريون – وغيرهم-أن المطلوب لم يكن إسقاط حزب أو «نظام» بل إسقاط سورية كدولة وطنية، وكدولة بتوجهات قومية عربية.

لكل ذلك، ولغيره كثير جداً.. نحيي ذكرى ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي الـ 72 ونحتفي بها.. حزب البعث وكل الأحزاب السورية – القديمة منها والحديثة – هي أحزاب كل السوريين.. تختلف بالأسماء لكنها لا تختلف على الوطن.. عندما يكون الوطن هو القضية، يكون كل السوريين حزباً واحداً.. بهدف واحد.

المصدر : تشرين - مها سلطان

 

اضافة تعليق