حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

ماذا تكلّف هزيمة "داعش"؟

لقد تسبّب ادّعاء الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب بهزيمة "داعش" والحاجة لسحب قواته من سورية بإثارة ضجة في واشنطن. إذ استقال وزير الدفاع جيم ماتيس والدبلوماسيّ الكبير بريت ماك غورك، فيما تُرِك الاستراتيجيون والدبلوماسيون دون استراتيجيةٍ انتقالية. وقد سافر مستشار مجلس الأمن القوميّ جون بولتون إلى تركيا و"إسرائيل" ليتم توبيخه من قبل رئيس تركيا. وفي وقت لاحق، سافر وزير الخارجية مايك بومبيو إلى ثماني دول عربية لتعزيز استمرارية سياسة ترامب في الشرق الأوسط ولترويج سياسة الاحتواء تجاه إيران.
وفي هذا الهيجان، استخفّ المسؤولون الأمريكيون والمحلّلون وصنّاع القرار بحقيقةٍ حاسمةٍ حول "داعش": فرغم وجوده في سورية والعراق، إلا أنه لا ينحصر في هاتين الدولتين فقط. لقد استثمرت الجماعة قدْراً كبيراً من التمويل والتنظيم والتجنيد في 35 مقاطعة محددة حول العالم على الأقل. قام مراسل صحيفة نيويورك تايمز روكميني كاليماكي، الذي كشف عن 15 ألف صفحة لوثائق عن "داعش" من 11 مدينة مختلفة في العراق، بالكشف عن الأعمال الداخلية لنظام حكم معقد، بالإضافة إلى مخططاتٍ لبيان رسمي من أجل إقامة دولة دينية إسلامية. كانت اتساع "خلافة داعش" فيما بين 2014-2016 يُعادل حجم بريطانيا، وكان تحت سيطرتها أكثر من 12 مليون شخص، وكانت تدير شبكة واسعة من البيروقراطيين الذين كانوا يشرفون بكفاءة على جمع الضرائب والمدارس والدعاية والمستشفيات وجمع القمامة، وكذلك على نظام قضائي روتينيّ.
ما الذي يجب أن نتعلمه من هذا؟ لا تعلن عن هزيمة جماعة إرهابية أبداً عندما تكون في غاية التنظيم عبر ثلاث قارات وتهدف إلى الانتقام. لا تأتي سلطة "داعش" من امتلاك الأراضي فقط؛ بل تحصل على الكثير من خلال الجهود المبذولة لاختراق عقول الشباب اليائسين والمحرومين الذين يرغبون بالانضمام إلى مجتمع يسعى لتحقيق "قضية عادلة". رغم خسائره على المستوى العسكري والإقليمي، ما يزال "شعار داعش" قائماً كرمز قوي لـ "المضطهدين" الذين يحاربون "الظالمين"، ولـ "تطهير" المُعتَقَد و "أرض الفساد" لـ "الفوز ببركات الرب" في نهاية المطاف.
في وقت سابق، أدى الهجوم على كاتدرائية جولو في ولاية مينداناو الفلبينية إلى مقتل 20 شخصاً، وإصابة 81 شخصاً على الأقل. وأعلنت وكالة "داعش" للأنباء (أعماق) مسؤوليتها عن التفجيرين اللذين وقعا خلال قداس الأحد، وتبعهما انفجار آخر في الخارج؛ بينما ردت القوات الحكومية على الهجوم. فقد قال وزير الدفاع الفلبيني ديلفين لورينزانا: إنَّ الهجوم كان "عملاً خسيساً"، و«سنستخدم القوة القانونية الكاملة من أجل تقديم الجناة بهذه الحادثة إلى العدالة». إن المنطقة التي وقع فيها الهجوم لها وجود تاريخي لمسلحي أبو سيّاف، الذين هم على اللائحة الأمريكية للمنظمات الإرهابية.
لقد طور متطرفو "داعش" شبكة معقدة مع مسلحي أبو سيّاف للاستفادة من التوترات في الفلبين. وأظهر تقرير السياسة العامة لمركز السياسة الدولية الملاذ الآمن للإرهابيين وداعش القادم للكاتب رايان غرير أن الواجهة الجديدة لأنشطة "داعش" ستكون في ملاذات آمنة في الفلبين وليبيا. وتعطي هذه البلدان بنية تحتية مُهيَّأة ليُبنى عليها، ومقاتلين مستعدين ذوي خبرة وقدرة على تنفيذ هجمات إرهابية.
نشاط في أفريقيا
خشيت الحكومات في جميع أنحاء أفريقيا من أن يسهم سقوط "داعش" في سورية بعودة الإرهاب فيما بين الإسلاميين المتشددين المحليين الذين يمكن أن يستقبلوا مقاتلي "داعش" ويتبنّوا استراتيجياتهم وتكتيكاتهم. ففي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، يشتبك المسلحون من أمثال "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و "أنصار الدين" و "المرابطون" مع القوات الحكومية وقوات التحالف. وفي نيجيريا، أعلن فصيل من جماعة "بوكو حرام" ولاءه لـ "داعش" في عام 2015. ومقابل ذلك، تلقت المجموعة دعماً تنظيمياً، وتمويلاً، وذخيرةً، وتدريباً للمقاتلين، ودعماً فنياً للدعاية.
هذا، ومن غير المُستَغرب، أن تمكّنت "بوكو حرام" من استخدام شعار "داعش" وسُمْعَته في توظيف أعضاء جدد وتعزيز نفسها. إن جماعة "الدولة الإسلامية في الصومال" (أبناء الخليفة) [كما تُسمّي نفسها] هي جماعة تابعة لـ "داعش" تمارس أنشطتها في جبال بونتلاند الصومالية. يقود هذه الجماعة الشيخ عبد القادر مؤمن، الإيديولوجي الإسلامويّ المُنتِج. ومن المثير للاهتمام أن "حركة الشباب" تحاول جاهدة أن تحمي أراضيها من خلال محاربة "الدولة الإسلامية في الصومال"، لأن "حركة الشباب" ترى المجموعة الأخرى كمنافس أجنبي ينتهك القضايا المحلية.
في أفريقيا، لا ينسجم جميع المسلحين المحليين مع شبكات "داعش". فعلى سبيل المثال، ترفض "حركة الشباب" و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميّ" التمويل والدعم من "داعش"، وتحاربان "داعش" بصرامة لتقمعا وجوده في "السوق الإسلامويّ". وقد ضمّت الميليشيات القبلية الليبية أراضٍ كانت لـ "داعش" إلى مناطق ذات تبعية لمصراتة. حتى أن "بوكو حرام" انقسمت إلى فصيلين متناحرين: طرف يتماشى مع "داعش"؛ والآخر يصرّ على أن أي تحالف مع جماعات أجنبية سيؤثر في الولاءات المحلية.
استخدمت الولايات المتحدة علاوة على الجهود المبذولة من قبل التحالفات الدولية لهزيمة "داعش" والجهات التابعة له القوة العسكريّة وأساليب مكافحة الإرهاب لإضعاف هذه الجماعات. ومع ذلك، فإن الدرس الأكثر أهمية هو أن الإرهاب ضعيف بفطرته عندما تكون هناك شفافية أكبر في الحكم، ومزيد من الفرص الاقتصادية، واقتصادات مزدهرة، ومؤسسات قوية ذات مشاركة عامة، واستثمار في المدارس، ومنصات متنوعة للمناقشة. من المهم التأكد من ماهية القواعد الإرشادية للسياسة التي قدمها ترامب، إن وُجدت، لوزارة الخارجية ووزارة الدفاع لمنع وتعطيل [عمل داعش]، ولقيادة جهد عالميّ في نهاية المطاف لهزيمة "داعش" والعشرات من الجماعات التابعة له. إن لدى "داعش"، من أفريقيا إلى الفلبين، شبكات نشطة تعمل على زعزعة الأمن وترهيب المدنيين.
إنَّ اختلاف تقييم المنظومة الاستخباراتية الأمريكية حول "داعش" (من بين مجموعة من القضايا الأخرى) عن تقييم البيت الأبيض أمر ينذر بالخطر الشديد. إذ إنَّ ردة فعل الرئيس علانيةً على شهادات مديري إدارة المخابرات القومية(DNI)ووكالة المخابرات المركزية ((CIAومكتب التحقيقات الفيدرالي  (FBI)ووكالة الأمن القومي NSA) ) ووكالة الاستخبارات الدفاعية(DIA) والوكالة الوطنية الجيومكانية للاستخبارات (NGA) واقتراحه على كل أولئك أن "يعودوا إلى المدرسة" تُشجّع "داعش" وأعداءنا الآخرين. فيجب أن تتجنب إدارة ترامب الاختلاف حول التقييم الاستخباراتي في العلن.

الناشر: مركز السياسة الدولية (Center For Global Policy)

اضافة تعليق